وأبرز ما تركز آيات القرآن الكريم على تثبيت عقيدة التوحيد، وإيقاظ الفطرة في قلوب العباد، فالإنسان إذا انطمست فطرته وأظلم قلبه انحرف عن التوحيد وادعى الاستغناء عن خالقه، قال تعالى:{هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ حَتَّى إِذَا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُوا بِهَا جَاءَتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ}[يونس:٢٢]، فإذا نزلت السفينة في عرض البحر أتتها ريح عاصف تقصف بها وتغرقها:{وَجَاءَهُمُ الْمَوْجُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ}[يونس:٢٢] أي عندما نزل بهم الضر دعوا الله مخلصين غير مشركين، لا يدعون الآلهة إنما يدعون إلهاً واحداً؛ لأنهم في موطن الخطر يقرون ويعترفون أن الله تعالى إله واحد:{لَئِنْ أَنْجَيْتَنَا مِنْ هَذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ}[يونس:٢٢]، أي: أنهم في موطن الخطر يلجأون إلى الله عز وجل.
بل هذا ليس للمشركين وحدهم ولكن حتى المسلمين كذلك؛ فالواحد منا لا يلجأ إلى ربه بالدعوات الحارة إلا إذا نزل به الضر، ولا نلجأ إلى الله تعالى لجوء صدق إلا إذا بكينا بحرقة؛ لأننا في موطن الخطر، فلجأنا إلى الله تبارك وتعالى بصدق، فكذلك الكفار:{لَئِنْ أَنْجَيْتَنَا مِنْ هَذِهِ}[يونس:٢٢] أي من هذه العاصفة وهذا الموج الذي أتانا من كل مكان {لَئِنْ أَنْجَيْتَنَا مِنْ هَذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ}[يونس:٢٢] فنشكرك، {فَلَمَّا أَنْجَاهُمْ إِذَا هُمْ يَبْغُونَ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ}[يونس:٢٣]، والله تباك وتعالى يعلم أنهم لا يشكرون، وإنما يبغون ويفسدون بغير الحق، ولكن ليقطع عليهم الطريق أنهم دعوا الله أن ينجيهم فيكونوا له من الشاكرين فلم يفعل الله عز وجل، ففعل ليقطع عليهم الحجة: أن قد أنجيتكم من العذاب، والهلاك، والغرق، ومع هذا لم توفوا أنتم بما وعدتم، لم تشكروا ولكنكم كفرتم وبغيتم وأفسدتم في الأرض بغير الحق:{يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا بَغْيُكُمْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ}[يونس:٢٣] عقاباً لكم: {مَتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ إِلَيْنَا مَرْجِعُكُمْ فَنُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ}[يونس:٢٣].