ومن علاماتهم كذلك: البعد عن العدل في الحكم، إذا حكموا لا يعدلون، وإذا تكلموا لا ينصفون، ويتناسون الحسنات، ويذكرون السيئات، ويخوضون في الأعراض -أي: في أعراض أهل العلم على جهة الخصوص- ويقولون: ليس منهج أهل السنة والجماعة الموازنة بين الحسنات والسيئات، هكذا يدعون.
وعجبي أنهم لم يطلعوا على قول الله عز وجل وقد أثنى أولاً على أهل الكتاب، فقال سبحانه:{وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنطَارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِدِينَارٍ لا يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ إِلَّا مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَائِمًا}[آل عمران:٧٥].
فأثنى على من استحق الثناء منهم أولاً، ثم ذكر المعايب بعد ذلك، فإن المرء إنما يوهب لما غلب عليه، فإن كان الأصل فيه الفساد والشر والانحراف والهوى؛ فإنه يكون صاحب هوى وإن صدق وعدل في قول أو قولين أو ثلاثة، فليس صاحب البدعة إذا وافق أهل السنة وأهل الالتزام وأهل الاستقامة في مسألة أو مسألتين معناه: أن يكون صاحب سنة، بل هو صاحب بدعة؛ وذلك لأن موافقته للسنة في بعض المسائل لا تقدم الكم الهائل في بدعته.
كما أن صاحب السنة إذا أخطأ في مسألة أو مسألتين، ووافق فيها أهل الأهواء وأصحاب البدع؛ فإنه يعذر في هذا ويقال: أخطأ فيه، ولا يقال: إنه ابتدع، وإنه خرج عن منهج أهل السنة والجماعة، فيبين خطؤه مع بقائه على أصله في الاستقامة والاعتدال، هكذا منهج أهل السنة والجماعة أنهم يعدلون في أحكامهم، وينصفون في أقوالهم، ويذكرون الحسنات والسيئات إن دعت الضرورة إلى ذلك، ويلتمسون الأعذار لأهل الأعذار، ويبررون المواقف، ويحسنون الظن خاصة بأهل العلم.