الحمد لله رب العالمين، والصلاة السلام على أشرف المرسلين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
وبعد: فلقد ارتبط في أذهان الناس أن زكاة المال تؤدى في شهر رمضان، وكل الناس يحرصون على أداء زكاة أموالهم في شهر رمضان؛ طلباً للخير والثواب، هذه عقيدة فاسدة؛ لأن الله عز وجل لما شرع لنا وجوب زكاة المال شرعها بشرطين اثنين لا ثالث لهما: الشرط الأول: بلوغ النصاب، أن يبلغ المال عندك ما يوازي (٨٥) جراماً عيار (٢٤) بذلك يتم النصاب.
الشرط الثاني: أن يحول على هذا النصاب حولاً هجرياً كاملاً، يحول في شهر صفر، في ربيع، في جمادى، في شعبان، في رمضان، إذا مضى عليه الحول وجبت زكاته على الفور، ولا يجوز تأخير الزكاة، إنما يجوز تعجيل إخراجها إذا دعت الحاجة والضرورة إلى ذلك، ولذلك أخذ النبي عليه الصلاة والسلام من عمه العباس زكاة ماله قبل حلول العام بسنة أو سنتين لحاجة الجيش، فإذا دعت الحاجة والضرورة إلى تعجيل الزكاة لأعوام قادمة فلا بأس بذلك، أما التأخير فلا يحل ولا يجوز، ولذلك من وجب عليه أن يؤدي في رجب وهو يمتنع عن أداء زكاة المال حتى يدخل رمضان، ما الذي يدريه أنه سوف يدخل عليه رمضان وهو حي؟ فيجب عليه أن يؤدي الزكاة في رجب على الفور، وفي ذلك حكمة عظيمة جداً أن تدور دورة المال في يد الفقير على مدار العام، وإذا تكدس المال في يد الفقير في شهر رمضان وربما أنفقه كله في شهر أو شهرين وبقي بقية العام يتكفف الناس ويسألهم الصدقات العامة، وكلنا نعلم ذلك، هب أنك في عملك ووظيفتك قد منحوك أجر العام كاملاً، فإنه لن يبقى معك على مدى العام، وإنما تسارع وتبادر إلى شراء ما لذ وطاب، مما دعتك إلى شرائه شهوتك، وبالتالي تتحسر وتندم بعد ذلك، ثم إنك إما أن تتكفف الناس، وإما أنك تأخذ من الناس أموالهم على سبيل القرض والعارية والرد، وربما تعطلت في ذلك، فمن حكمة الله عز وجل، أن شرط لنا حولاً لا يجوز أن نتأخر عنه، بحيث نقوم بإخراج زكاة المال في أي وقت من أوقات السنة.