قال عقبة بن عامر: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم وهو يقول: (لا يحل لمسلم باع من أخيه شيئاً فيه عيب إلا بينه له)، وهذا يعني بمفهوم المخالفة: أنه يحرم على أحدكم أن يبيع أخاه شيئاً وهو يعلم عيبه ولا يبينه له، كثير منا يجمل ويحسن العيب ويخفيه ويستره ويداريه عن نظر المشتري حتى يبيع السلعة، فإذا سأله المشتري: هل بها من عيب؟ وهنا مأزق عظيم، فإذا أراد البائع أن يهرب من الإثم بزعمه قال: نعم، لقد وقعت هذه السيارة أو تعرضت لحادث حتى كانت كعلبة السردين، ثم أصلحتها، وهو يريد بذلك المبالغة في ذكر العيب الذي ليس فيها، حتى إذا نظر إليها المشتري، قال: لا أجد أصدق منك؛ لأنها ليست كذلك.
ولذلك إذا باع رجل بيتاً بأعمدة، المعلوم يقيناً أن هذه الأعمدة والسواري لا بد أن يكون لها قواعد في الأرض، فإذا سأل المشتري البائع، قال: هل قواعدها متينة قوية؟ قال: أنا لم أبن هذا البيت على قواعد ألبتة، هذا البيت أمامك، إن شئت أن تأتي بخبير، وإن شئت أن تشتريه على هذه الحال، أما أنا فلم أضع قواعد في الأرض، فيعلم المشتري صدق هذا البائع، وأنه لا يريد أن يقسم أيماناً، وهو يريد أن يبيع هذا البيت على حالته، فيغتر بذلك ويشتري البيت، وفي حقيقة الأمر أن قواعده ضعيفة لا تقوى على مزيد من البناء، أو على تحمل البناء لسنوات طويلة قدرت في العمر الافتراضي لهذا البناء، فيكون هذا من باب الغش لا من باب الصدق في البيع والشراء.
وقال الله عز وجل:(أنا ثالث الشريكين ما لم يخن أحدهما الآخر).
وقال النبي عليه الصلاة والسلام:(البيعان بالخيار ما لم يتفرقا، فإن صدقا وبينا بورك لهما في بيعهما، وإن كذبا وكتما محقت بركة بيعهما).
الناس ينظرون إلى الأموال بكثرتها، والشرع ينظر إلى الأموال ببركتها، فكم من إنسان ليس له مال، لكن الله تبارك وتعالى يبارك في القليل بين يديه لتقواه، وصدقه، وحرصه على مرضاة ربه، وكم من الناس معهم الأموال الطائلة أنفقوها في الملذات والشهوات والخمور والنساء والمخدارت وغير ذلك؛ لأن الله تعالى نزع البركة منها؛ ولذلك روى مسلم والبخاري من حديث ابن عمر رضي الله عنهما:(أن رجلاً كان يخدع في البيع والشراء، فأتى إلى النبي عليه الصلاة والسلام وقال: يا رسول الله إني أخدع إذا بايعت، فقال النبي عليه الصلاة والسلام: إذا بايعت أحداً فقل: لا خلابة) والخلابة بمعنى الخداع أو التدليس والتمويه.