قال تعالى:{وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ}[البقرة:٢٨٥]، وقد أنزل الله كتباً كثيرة، ولكننا لا نعرف منها إلا الشيء اليسير والنزر القليل، فمنها: الإنجيل، والتوراة، والزبور، وصحف إبراهيم وغيرها، فالله عز وجل أمرنا أن نؤمن على سبيل الإجمال بأن الله تبارك وتعالى أرسل الرسل، وأنزل معهم الكتب، وقد أمرنا أن نؤمن إجمالاً وتفصيلاً بالكتاب الذي أنزله على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، أما الكتب السابقة فقد دخلها التحريف، والزيغ، والتبديل، أنت لست مطالباً بأن تؤمن بهذا، إنما أنت مطالب بأن تؤمن أن الله تبارك وتعالى أرسل عيسى وأنزل معه الإنجيل، وأرسل موسى وأنزل معه التوراة، فالتوراة كتاب الله عز وجل أنزله على موسى، والإنجيل كتاب الله عز وجل أنزله على عيسى، فيجب عليك بأن تؤمن أن أصل التوراة من الله، وأن أصل الإنجيل من الله، وأن أصل الزبور من الله، وأن أصل الصحف من الله، وأن القرآن الكريم الذي بين يديك، والذي نزل على نبيك محمد صلى الله عليه وسلم هو كتاب الله عز وجل من أوله إلى آخره، لم يدخله التحريف ولن يدخله بإذن الله تعالى، وأنه كتاب محفوظ، والذي تولى حفظه هو الله عز وجل، قال تعالى:{إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ}[الحجر:٩]، فالذي تولى حفظ هذا الكتاب، بل وحفظ السنة التي قالها النبي عليه الصلاة والسلام هو المولى عز وجل.
ولذلك فسر جماهير العلماء الذكر في الآية:{إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ}[الحجر:٩] بأنه الكتاب والسنة، وقالوا: الذكر منه المتلو ومنه غير المتلو وهو السنة، ولذلك قال عبد الله بن المبارك لما عرضت عليه الأحاديث الضعيفة والموضوعة قال: تعيش لها الجهابذة، أي: هذه الأحاديث سيأتي لها من ينخلها نخلاً ويميز بين صحيحها وسقيمها، فيبقى أصل العمل على ما صح وثبت من سنة النبي عليه الصلاة والسلام، وأما ما كان غير ذلك فلا يلزم، بل ولا يجوز العمل به؛ ولذلك فإننا نرى في كل عصر ومصر من تصدى للسنة بحق، وميز فيها بين الصحيح والدخيل، وهذا أيضاً مظهر من مظاهر حفظ الله عز وجل للوحيين: الكتاب، والسنة، كما أن القرآن قد تعرض للدس فيه من قبل النصارى والملاحدة، ولكن سرعان ما أيد الله عز وجل وسخر له من يبين فساد وعوار هذه الخطط الكفرية، التي أرادت الطعن في كتاب الله عز وجل، وما حدث هذا في بلاد الكفر، بل حدث في مصر وفي بلد الأزهر، فقد سخر الله عز وجل المخلصين من أهل العلم لبيان هذا التحريف وهذا الزيغ قبل أن ينتشر بين أيدي الناس، وهذا مظهر عظيم من مظاهر حفظ الله تبارك وتعالى لكتابه وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم.
وكلما أُرسل نبي ونزل معه الكتاب نسخ الشريعة التي سبقته، وفيه أن بعض الشرائع كملتها الشريعة التي أتت بعد ذلك كشريعة اليهود لم تنسخ بشريعة عيسى، وإنما كانت متممة ومكملة لشريعة موسى عليه الصلاة والسلام، ولكن الله عز وجل فرض على اليهود أن يؤمنوا بعيسى عليه الصلاة والسلام، فكفروا بعيسى وبشريعته، وأن الله تعالى لما أرسل محمداً نسخ جميع الشرائع السابقة وأبطلها، ولكنه فرض عليك أن تؤمن بها فقط؛ لأنها نزلت من عند الله، أما العمل بها فلا يجوز أبداً، لأن الله تبارك وتعالى قد حباك ومنحك كتاباً {لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ}[فصلت:٤٢]، فهذا الكتاب الذي بين يديك دستور ليس هناك أحسن منه ولا أعظم منه دستور؛ لأن الذي وضعه والذي أمرك بالإيمان به هو العليم الخبير، وهو الذي يعلم ما يصلح العباد وما يفسدهم، فأنزل في هذا الكتاب ما يصلحهم وأمرهم به، ونهاهم عما يفسدهم، فلا يجوز لأحد أن ينفك عن أمر الله، كما أنه لا يجوز أن يهجم على مناهي الله؛ لأن الله تبارك وتعالى إذا أمرك بأمر وجب الامتثال، وإذا أخبرك بخبر وجب التصديق، وإذا نهاك بنهي وجب الانتهاء، وكل ذلك في الكتاب، وفي سنة النبي عليه الصلاة والسلام، فلا بد أن تؤمن أن هذا الكتاب الذي بين يديك ناسخ لجميع الكتب السابقة، وحاكم عليها ومسيطر ومهيمن عليها جميعاً، فأنت مطالب بالعمل بهذا الكتاب فقط.