قال تعالى:{وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ * وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تُسِرُّونَ وَمَا تُعْلِنُونَ * وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لا يَخْلُقُونَ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ * أَمْوَاتٌ غَيْرُ أَحْيَاءٍ}[النحل:١٨ - ٢١] مع أنهم يمشون في الأرض، ولكنهم في حكم الأموات؛ لأنهم كفروا وجحدوا نعمة الله، وجحدوا خلق الله، وادعوا الخلق لأنفسهم، ولذلك رماهم الله تبارك وتعالى بموت القلب، قال تعالى:{أَمْوَاتٌ غَيْرُ أَحْيَاءٍ}[النحل:٢١]، فقلب الكافر قلب ميت وإن كان حياً يمشي على الأرض؛ لأنه لما جحد الخالق وجحد الإله، استحق أن يضرب تبارك وتعالى قلبه بالران الذي لا يعرف معه معروفاً ولا ينكر به المنكر، بل ربما أمر بالمنكر ونهى عن المعروف، وهذا غاية الضلال، وغاية الختم على القلب، حتى لا يرى بعد ذلك خيراً ولا يرى إلا الشر.
قال تعالى:{أَمْوَاتٌ غَيْرُ أَحْيَاءٍ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ * إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ}[النحل:٢١ - ٢٢]، يبين أن السبب الذي وقع فيه الكفار، وختم على قلوبهم أنهم لم يحققوا التوحيد، فنصح الله تبارك وتعالى أولياءه وعباده بأن إلهكم واحد، {فَالَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ قُلُوبُهُمْ مُنكِرَةٌ وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ}[النحل:٢٢]، وآيات القرآن الكريم حافلة بالرد على أهل الكتاب الذين نسبوا لله تبارك وتعالى الولد والزوجة، فقال الله عز وجل:{لَوْ كَانَ فِيهِمَا}[الأنبياء:٢٢] أي في السماوات والأرض، {آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا فَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ}[الأنبياء:٢٢]، وقال سبحانه:{مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذًا لَذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ}[المؤمنون:٩١]؛ لأنه لو كان في الأرض والسماء إلهان لتمنى كل إله أن يرتفع على صاحبه:{وَلَعَلا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ}[المؤمنون:٩١]، تمنى كل إله أن تكون له الغلبة، والقوة، والسطوة، والقدرة، فكانت هناك منافسة، وإذا كانت هناك منافسة فلابد وأن تفسد السماوات والأرض، ولذلك قال:{لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا}[الأنبياء:٢٢]، وهذا يدل على أن الله تبارك وتعالى هو إله السماوات وإله الأرض، كذلك هو الآمر والناهي والحاكم فيهما بما يشاء وبما يريد.