[موقف اليهود من خوض الحروب]
أما عن الحرب مع اليهود، فلو كان اليهود أهل حرب لحاربوا مع موسى عليه السلام لما أمرهم أن يدخلوا الشام قالوا: {فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ} [المائدة:٢٤] بل قالوا أولاً: {فَإِنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا فَإِنَّا دَاخِلُونَ} [المائدة:٢٢] لو أن الكفار خرجوا منها دخلناها، أما أن توقع بيننا وبين هؤلاء الكفار في حرب ضروس يعلم أولها ولا يعلم آخرها فلا! اذهب أنت أولاً وربك الذي تزعم أنه القوي العزيز المكين فحارب هؤلاء وأخرجهم؛ فإن خرجوا منها فإنا داخلون.
والله تبارك وتعالى بين نفسية اليهود في القتال وأنهم جبناء فقال: {لا يُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعًا إِلَّا فِي قُرًى مُحَصَّنَةٍ أَوْ مِنْ وَرَاءِ جُدُرٍ} [الحشر:١٤]؛ لأنهم جبناء.
استشعر طفلاً من أطفال المسلمين يأخذ حجراً ويجري به خلف كلب من كلاب اليهود في أرض فلسطين الحبيبة وهو مدجج بالسلاح، ومع هذا تجد اليهودي يعدو أمام طفل سلاحه حجارة! ليدلك هذا على جبن وهلع اليهود عند اللقاء؛ فإنهم ليسوا صُبراً، ولذلك ضرب الله تبارك وتعالى لهم في كتابه في سورة البقرة مثلاً عظيماً جداً فقال: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلَإِ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى إِذْ قَالُوا لِنَبِيٍّ لَهُمُ ابْعَثْ لَنَا مَلِكًا نُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ قَالَ هَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ أَلَّا تُقَاتِلُوا قَالُوا وَمَا لَنَا أَلَّا نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِنْ دِيَارِنَا وَأَبْنَائِنَا فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ تَوَلَّوْا} [البقرة:٢٤٦] أي: فلما فرض عليهم القتال تولوا وأدبروا وأعرضوا عن القتال؛ لأنهم ليسوا كفئاً ولا أهلاً له {وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ} [البقرة:٢٤٦].
يقول وهب بن منبه وغيره: لا زال بنو إسرائيل على طاعة وعبادة بعد موت موسى بزمن طويل حتى أحدثوا ما أحدثوه، وابتدعوا ما ابتدعوه، فقامت بينهم وبين الكفار مقاتل عظيمه فسبوا ذراريهم، وأخذوا أزواجهم وأولادهم، وقتلوا منهم مقتلة عظيمة، وما كان اليهود من قبل يدخلون في حرب إلا انتصروا، فسلط الله تبارك وتعالى عليهم لما بدلوا وحرفوا هؤلاء الطواغيت، حتى أخذوا منهم أعز ما لديهم، أخذوا تابوتاً فيه التوراة، وفيه رُضاض الألواح، وفيه نعل موسى وهارون، وعصا موسى.
تابوت عظيم كانت توضع فيه مآثر وتراث اليهود، لما قامت المقتلة بين بني إسرائيل وبين هذا العدو أخذوا منهم كل شيء حتى تراثهم.
فلما بعث الله تبارك وتعالى فيهم شمعون أو شمويل أتوا إليه وقالوا: اجعل لنا ملكاً نقاتل حتى نسترد ما فقدناه، انظروا إلى قوله: ((أَلَمْ تَرَ)) كأنه أمر مشهود وواقع، فانظر إليه بعينيك يا محمد، {أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلَإِ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى إِذْ قَالُوا لِنَبِيٍّ لَهُمُ ابْعَثْ لَنَا} [البقرة:٢٤٦] يعني: أميراً يقاتلون معه {ابْعَثْ لَنَا مَلِكًا نُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ قَالَ} [البقرة:٢٤٦] يستوثق منهم، وهكذا ينبغي للقائد أن يستوثق من الحماس، وأنه صدق، أما الحماس وحده فلا يكفي، الحماس يبدأ بسقوط ثم يتبعه سقوط ثم سقوط ثم سقوط، ثم مآل الأمر إلى الهاوية، ولذلك لا بد من وضع الحماس على محك التجربة قبل خوض المعركة.
قالوا: {ابْعَثْ لَنَا مَلِكًا نُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ قَالَ هَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ أَلَّا تُقَاتِلُوا قَالُوا وَمَا لَنَا أَلَّا نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ} [البقرة:٢٤٦] أيضاً يحددون الهدف والغرض من القتال، وأنه أشرف قتال، بل لا يقبل قتال عند الله إلا إذا كان في سبيله.
{قَالُوا وَمَا لَنَا أَلَّا نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِنْ دِيَارِنَا وَأَبْنَائِنَا فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ تَوَلَّوْا} [البقرة:٢٤٦]، وهذا هو السقوط الأول.
{وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللَّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكًا} [البقرة:٢٤٧].
قال: (إن الله) ولم يقل: إني اصطفيت عليكم طالوت، فالله هو الذي بعث لكم طالوت ملكاً، وهذا هو السقوط الثاني {قَالُوا أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا} [البقرة:٢٤٧] كان يعمل سقاءً أو دباغاً كيف يكون ملكاً علينا؟ كيف تعين هذا ملكاً علينا؟ ليس هو من سبط الأنبياء، ولا من سبط الملوك، وإنما هو من رعاع الناس، فكيف تعينه علينا ملكاً؟ {قَالُوا أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِنَ الْمَالِ} [البقرة:٢٤٧] يعني: لا هو من سبط الأغنياء سبط يهودا، ولا من سبط الملوك، ولا من سب