وقال تعالى:{يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ}[البقرة:٢١٧]، أي: هل الأشهر الحرم فيها قتال يا محمد؟ {قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ}[البقرة:٢١٧] إلى آخر الآية.
وقصة ذلك: أن النبي عليه الصلاة والسلام أرسل سرية وأمر عليها عبد الله بن جحش، وأعطاه كتاباً وقال له:(لا تفتح الكتاب إلا في مكان كذا وكذا)، ففتح الكتاب في المكان الذي أمره النبي عليه الصلاة والسلام، فوجد فيه الأمر بقتال المشركين، وكان ذلك في آخر ليلة من جمادى، وأول ليلة من رجب، والمشركون كانوا يعدون أن هذا اليوم هو أول يوم من رجب، والمسلمون ظنوا أن هذا آخر يوم من جمادى، فما وجدوا أدنى حرج أن يقتلوا مشركاً لما انفردوا به، فأتى المشركون يعاتبون النبي صلى الله عليه وسلم ويقولون له: أنتم الذين انتهكتم الأشهر الحرم وقتلتم فيها، مع أن دينكم ينهى عن ذلك.
فأنزل الله قوله تعالى:{يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ}[البقرة:٢١٧]، والتقدير: يسألونك عن القتال في الشهر الحرام أهو جائز يا محمد؟ فلما صدوا المسلمين عن المسجد الحرام، وأخرجوهم من بيت الله الحرام، وكان ذلك في الأشهر الحرام، رد الله عز وجل عليهم فقال:{قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ}[البقرة:٢١٧]، أي: أن الذي فعلتموه أعظم من ذلك كله، {وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِنْدَ اللَّهِ}[البقرة:٢١٧]، فأنتم الذين أخرجتمونا من المسجد الحرام، وربما يخرجوننا من المسجد الأقصى، بل قد أخرجونا بالفعل، فهذا أكبر إثماً وأعظم جرماً مما وقع من بعض أفراد السرية في قتل ذلك الرجل، ولو كان ذلك في شهر رجب الفرد، فإن ما فعلتموه أعظم جرماً وصد عن سبيل الله عز وجل.