[دعوة للرجوع الحقيقي إلى الله تعالى]
لذلك فأنا أدعو المسلمين والشباب الغيور -خاصة الناظرين إلى الواقع الفاسد- أن يعلوا بأنفسهم وبإيمانهم وحسن اعتقادهم في الله عز وجل على هذا الواقع المر الفاسد، أدعوهم إلى رجعة حقيقية لا رجعة كلامية إلى ربهم، أدعوهم إلى تجديد إيمانهم بالله سبحانه وتعالى، وخلع كل ما يعبدون من دونه، فلا إله إلا الله محمد رسول الله.
أدعوهم إلى محبة النبي صلى الله عليه وسلم وطاعته، والائتمار بأمره والانتهاء عن نهيه، والرغبة إلى الله سبحانه وتعالى وحده لا الرغبة إلى سواه، والرهبة منه وحده لا الرهبة ممن عداه، وإلى معرفته سبحانه وتعالى حق المعرفة بأسمائه وصفاته العلا، وتوثيق الصلة به وصدق العبودية له سبحانه وتعالى، وربط القلب والفكر وربط الجوارح والحياة بأمره ونهيه، وألا يتوجهوا بالقصد إلا إلى وجهه الكريم، وأن يكون العيش عندهم هو عيش الآخرة، وأن تكون الدنيا طريقاً لهم إلى الله عز وجل وإلى جنة الخلد.
إنكم -يا شباب الإسلام- إذا رجعتم إلى الله هذه الرجعة الصادقة كنتم الأعلين بإذن الله، وكنتم قدراً من قدر الله الذي ساقكم الله تعالى وهيأكم لسوق البلاد والعباد أمامكم إلى الله عز وجل، إذا أردتم الآخرة هانت عليكم الدنيا وتحررتم من آثار الدنيا ومن طغيانها، وإذا عرفتم الله صغر عندكم سواه وما سواه، بل زاد في أعينكم وفني في قلوبكم كل ما عداه، ولم يعد هناك طلب عندكم إلا قربه ورضاه، وإذا استشعرتم رابطتكم بربكم سبحانه وتعالى وعونه لكم، وأيقنتم أنه معكم، رأيتم أنفسكم أقوى من كل قوى الشيطان والطغيان.
إذا رجعتم هذه الرجعة الصادقة تحولتم خلقاً آخر، وولدتم ولادة عقدية جديدة، وولد كل منكم من عقيدته لا من رحم أمه ولادة عقدية صحيحة على الكتاب والسنة، وإذا كانت هذه الولادة هي التي نريدها فالأصل أن نعرف كيف تولد هذه الولادة، ومن أي مصدر تكون هذه الولادة وهذه العقيدة؟ إن صحيح الإمام البخاري رحمه الله تعالى قد حكم عليه العلماء بأنه أصح كتاب بعد كتاب الله عز وجل، وقد صدر كتابه بكتاب بدء الوحي.
فإذا كنا نتحدث عن العقيدة الصحيحة والإيمان الصادق فما مصدر ذلك؟ أو كيف نتعلم ذلك وكيف نجدده؟
الجواب
قال ابن القيم: العلم قال الله قال رسوله قال الصحابة ليس بالتمويه ما العلم نصبك للخلاف سفاهة بين الرسول وبين قول فقيه أي: قول المولى عز وجل في كتابه الكريم، وقول رسوله صلى الله عليه وسلم في سنته، وقول الصحابة رضي الله عنهم، فلا أقول: قال الله كذا في مسألة من مسائل الإيمان أو العقيدة فتقول: قال الفقيه الفلاني، فإنه بالعالم الفلاني أبداً لا يصح الانتصار، أقول لك: قال الله وقال رسول الله وقال الصحابة ثم تقول لي: قال العالم الفلاني قال الشيخ الفلاني أو غير ذلك؟! هذا لا يصلح أبداً، فالعلم قال الله، والله عز وجل أنزل كتابه على رسوله صلى الله عليه وسلم فكان من بين ما شمل هذا الكتاب آيات العقيدة والإيمان، وآيات التوكل والاستعانة والاستغاثة والاستعاذة بالله تعالى.
إذاً: معظم آيات الكتاب العزيز إنما تعالج مسألة مهمة جداً، ألا وهي مسألة العقيدة والإيمان بالله عز وجل بشتى الوسائل والطرق البيانية، وتارة بقصص الأنبياء، وتارة بمحاجة كل نبي مع قومه، وغير ذلك من أنواع البيان، بل إن سورة الفاتحة نفسها اشتملت على جميع شعب الإيمان، اشتملت على الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله والبعث والجزاء والنبوة وغير ذلك، هذا بالنسبة لكتاب الله العزيز.
وأما بالنسبة للسنة فيحمل ذلك على قول النبي صلى الله عليه وسلم لـ معاذ لما بعثه إلى اليمن، قال: (إنك تأتي قوماً أهل كتاب - أي: يهود أو نصارى - فليكن أول ما تدعوهم إليه) لم يقل له: الصلاة ولا الحج، قال: (فليكن أول ما تدعوهم إليه شهادة أن لا إله إلا الله، فإن قالوا ذلك فأخبرهم أن الله تعالى افترض عليهم خمس صلوات في اليوم والليلة).
فلا بد أولاً من التعرف على الله تعالى أولاً، ولا يكون ذلك إلا بالاعتقاد الحسن فيه سبحانه وتعالى والإيمان الصادق به.
وقال جندب بن عبد الله البجلي رضي الله عنه: تعلمنا الإيمان ثم تعلمنا القرآن فازددنا إيماناً.
إذاً: الإيمان أولاً ثم بعد ذلك تأتي بقية التكاليف الشرعية، فإنه إذا صح إيمانك أولاً بالله وصح حسن اتباعك لنبي الله صلى الله عليه وسلم لا تحتاج مع كل تكليف لرجل يقنعك بأن هذا حق وهذا شرع، أو أن هذا باطل ولابد من الانتهاء عنه.
إذاً: لا بد أولاً من تصحيح العقيدة؛ لأنها لو صحت صح ما بعدها، ولو فسدت لفسد ما بعدها، وهذا ميزان لا يتغير مطلقاً.
يقول عبد الله بن عمر رضي الله عنه: لقد كنا برهة من الزمن نتعلم الإيمان ثم نتعلم القرآن.
و (ثم) تفيد الترتيب والتراخي، الترتيب: أي أن القرآن يأتي بعد الإيمان وليس مباشرة، أي: بينه وبين الإيمان فترة؛ حتى يتمكن الإيمان من قلوبهم، قال: لقد كنا في برهة من الزمان نتعلم الإيمان ثم نتعلم القرآن،