إذاً: أخلص من ذلك إلى إثبات حوض النبي عليه الصلاة والسلام، وأن طوله كعرضه، وأن الحوض طويل أو عريض كما بين أيلة إلى مكة أو إلى المدينة، أو من الشام إلى اليمن أو غير ذلك من اختلاف الروايات التي وردت، والقصد منها والهدف: إثبات حجم الحوض، وأن هذا الحوض أطيب من المسك وأحلى من العسل، وآنيته كعدد نجوم السماء وزيادة وغير ذلك مما ورد في صفاته، وأن الحوض واحد، وأنه في عرصات القيامة، وأن الكوثر في الجنة، وأنه يمد الحوض بميزابين: أحدهما من ذهب والآخر من ورق -من فضة-، وأن النبي عليه الصلاة والسلام هو فرط الناس على الحوض -هو سابقهم-، وأنه لا يشرب أحد من الحوض إلا بيد النبي عليه الصلاة والسلام، ثم هذا الحوض يأتيه الناس من كل حدب ليشربوا، والنبي عليه الصلاة والسلام يدعوهم للشرب، فإذا بجنود الرحمن يذودون هؤلاء عن الحوض، أي: يدفعونهم ولا يسقونهم، فيقول النبي عليه الصلاة والسلام:(يا رب! أمتي أمتي، فيقال: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك) وهذا نص عظيم يفيد أن الحوض لا يمكن أن يكون في الجنة؛ لأن المرء إذا دخل الجنة تمتع بكل ما فيها من نعيم في درجته، وأنه لا يذاد عن شيء اشتهته نفسه، وإنما هذا الحرمان بسبب التبديل والتغيير والابتداع في الدين.
فقال:(إنك لا تدري) يا محمد، أي: لا تدري ما سر ذود هؤلاء عن الحوض وطردهم وإبعادهم عنه؛ إنما السبب في ذلك أنهم بدلوا وغيروا وارتدوا من بعدك كما جاءت بذلك الروايات.