الخامسة: لابد لكل قائد وذي رأي ومشورة أن يتأكد من صحة العقيدة، ومن صحة الهدف لدى جنوده كما قال طالوت لجنوده:{هَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ أَلَّا تُقَاتِلُوا}[البقرة:٢٤٦]، فردوا عليه:{وَمَا لَنَا}[البقرة:٢٤٦] أي: كيف بنا لا نقاتل {وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِنْ دِيَارِنَا وَأَبْنَائِنَا}[البقرة:٢٤٦] حتى قامت المعركة الحازمة بين جند طالوت وجند جالوت، وكتب الله تعالى النصر لـ طالوت وجنوده، وكان طالوت قد أعلن عن هدية في جنده، وقال: من قتل جالوت فسأزوجه ابنتي وأشركه في ملكي، فقام داود عليه السلام قبل أن يوحى إليه، وكان جندياً من جنود طالوت، قام إلى جالوت فتسلل حتى وصل إليه وقتله، وأنتم تعلمون إذا قتل الأمير وقائد الجيش فكأنما قتل الجيش بأسره، فضربت الهزيمة على الجيش بأكمله، وجاء داود برأس جالوت إلى طالوت، فزوجه ابنته وأشركه في ملكه، ومات طالوت بعد هذه الغزوة، ثم انتقل الملك بأكمله إلى داود عليه السلام، وآتاه الله الملك والحكمة وعلمه مما يشاء، حتى تعلموا أن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده، وإن كانوا قلة، لكن الفيصل هو الإيمان بالله عز وجل، والانقياد لأمره.
كم من الناس يحضر مسجدنا هذا إذا تعارض الشرع مع مصلحته قدم المصلحة على الشرع، مع أنه يدعي أنه محب لله ورسوله.
ذكر ابن عبد البر في كتابه (جامع بيان العلم وفضله) عن الأعمش أنه قيل له: جزاك الله خيراً من إمام، لقد علّمت الناس العلم -وهم ينظرون إلى الناس بالآلاف بين يديه- فتبسم الأعمش وقال: لا تعجبون.
أما هؤلاء، وأشار إلى مجموعة من طلاب العلم فثلثهم يموت قبل أن يدرك.
يعني: يموت قبل أن يتصدر، والثلث الثاني: يذهبون إلى السلطان، ثم قال: وهم شر الناس، وأما الثلث الثالث: فقليل منهم من يفلح.
لما سمع ابن المبارك هذا الكلام قال: هذا الكلام جدير بأن يكتب ويحفظ.
وينبغي لكل قائد وزعيم أن يجعل هذا الكلام نصب عينيه، فالناس قليل منهم من يفلح، وقليل منهم من يثبت، أما أن يغتر الأمير بهذه الجموع الغفيرة؛ فإنه لا يستحق أن يكون أميراً.
كان الصحابة رضي الله عنهم مراتب ودرجات، قال النبي عليه الصلاة والسلام فيما أخرجه الشيخان من حديث عبد الله بن عمر:(الناس كالإبل المائة لا تكاد تجد فيها راحلة).
وقال البخاري: باب رفع الأمانة.
كأنه يشير إلى أن الناس كثر، والمرضي منهم قليل.
أيها المؤمنون! هذه وقفات لابد أن نقف عندها؛ لترشيد هذه الصحوة، والاستفادة منها في الأيام المقبلة، لعل الله عز وجل يرزق هذه الأمة رأياً راشداً وإيماناً يعز به الدين وأهله، ويذل به الشرك وأهله.