من فوائد هذه القصة: الرحلة في طلب العلم، والحفاظ على ذلك والإكثار منه، وبلوغ المشقة في ذلك، فقد ركب موسى وهو من هو عليه السلام إلى رجل لا يعرفه، ليأخذ منه العلم، وبلغ المشقة والنصب والتعب في ذلك، ثم إنه بعد أن لقيه تأدب بين يديه، وتلطف أيما تلطف.
والرحلة في طلب العلم هي نهج سلفنا رضي الله عنهم.
قال رجل للإمام أحمد بن حنبل:(هل ألزم رجلاً عالماً غزير العلم حتى آخذ العلم كله، أو أرحل في الطلب؟ قال: بل الرحلة أحب إلي).
وهذا مسروق بن الأجدع طاف البلاد مراراً على قدميه في طلب العلم.
وهذا جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله عنهما، وهو من هو في العلم والفضل والفقه، وهو من أكابر أصحاب النبي عليه الصلاة والسلام علماً وفقهاً وأدباً، يرحل من المدينة إلى مصر، ليسأل عقبة بن عامر الجهني رضي الله عنه وهو من الصحابة، وكان أمير مصر لـ معاوية رضي الله عنه، رحل إليه ليسأله عن حديث واحد، وهو حديث المحشر، قال:(بلغني أنك سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثاً لم أسمعه، قال: سمعته يقول عليه الصلاة والسلام: يحشر الناس حفاة عراة غرلاً).
فقوله:(حفاة): أي: ليس في أقدامهم شيء، (عراة) أي: ليس على أبدانهم شيء، (غرلاً): أي: غير مختونين.
يعني: يحشرون إلى ربهم عز وجل على الهيئة التي خلقهم عليها من غير نقصان.
ثم رجع جابر بن عبد الله الأنصاري دون أن يحل رحله إلى المدينة.
وفي رواية: أن جابراً طرق الباب فقال الخادم: من؟ قال: جابر بن عبد الله الأنصاري، ثم قال: أعقبة في الدار؟ قال: نعم.
انتظر فصعد الخادم إلى عقبة، وقال: إن جابراً الأنصاري بالباب، فنظر إليه عقبة وقال: ابن عبد الله؟ قال: نعم، قال: اصعد، قال: والله لتنزل ولا أصعد، إنما أتيتك لأسمع حديثاً ليس عندي، فأخبره عقبة بالحديث، فانطلق ولم ينزل من على دابته.
رجل يأتي من المدينة إلى مصر مسيرة شهر، ثم يرجع مرة أخرى شهراً آخر؛ لأجل حديث واحد، ونحن كتاب الله تعالى بين أيدينا، وربما لا نفكر مرة أن نمر عليه مرور الكرام، وسنة نبينا صلى الله عليه وسلم واضحة بين أيدينا، وربما لا نفكر أن نطلع عليها، فإنا لله وإنا إليه راجعون.