[أنواع الفتن وأسبابها والمخرج منها]
بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن والاه.
وبعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.
ثبت عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: (ستكون فتن وستنقض عرى الإسلام عروة عروة، وسيكون أولها نقضاً الحكم، وآخرها الصلاة).
وهذا بلا شك ثابت وواقع في الأمة، حتى إنه لواقع ملموس لكل أحد منا، فالحكم قد نقض منذ زمن طويل، ولا تكاد تجد خاشعاً، فثبت منها معلم من معالم النبي عليه الصلاة والسلام أنه قال: (وستنقض عرى الإسلام عروة عروة).
وصح عند البخاري من حديث حذيفة أنه قال: (بينما نحن جلوس عند أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه إذ قال: أيكم سمع النبي صلى الله عليه وسلم يذكر الفتنة؟ فقال حذيفة: أنا يا أمير المؤمنين! قال: ماذا قال؟ قال: إن فتنة الرجل في بيته وأهله وماله وولده تكفرها الصلاة والصيام والزكاة والحج، فقال عمر: ليس عن هذا أسألك، إنما أسألك عن الفتنة التي تموج موج البحر.
فقال حذيفة: مالك وإياها يا أمير المؤمنين! إن بينك وبينها باباً.
فقال أمير المؤمنين: أيكسر أم يغلق؟ فقال: بل يكسر.
قال: لا أبا لك.
قل: يغلق.
قال: لا يا أمير المؤمنين! بل يكسر، فقيل لـ حذيفة: ما هذا الباب؟ قال: عمر).
أي: عمر سد منيع رضي الله عنه بين حياته وبين وقوع الفتن للأمة التي لا ترتفع عنها إلى قيام الساعة.
هذا الأثر يبين أن الفتن نوعان: فتن تمر وتكفرها الطاعات، وفتن أخرى لا تكفرها الطاعات، بل هي تموج موج البحر، وربما تستأصل شأفة المسلمين من جذورها.
ومرد الفتن كما يتفق على ذلك أهل العلم إما إلى شهوة أو إلى الشبهة، فإن كان أصل الفتنة شبهة فإن هذه الأمة تحتاج إلى تعليم وإلى علم صحيح مرده إلى كتاب الله وسنة رسوله.
كما يقول ابن القيم عليه رحمة الله: العلم قال الله قال رسوله قال الصحابة ليس بالتمويه ما العلم نصبك للخلاف سفاهة بين الرسول وبين قول سفيه فهذه مصادر العلم الصحيحة المعتبرة لدى أهل العلم من أهل السنة: قال الله.
قال رسوله.
قال الصحابة.
الإجماع.
أما إذا كان أمر الفتنة شهوة فهذا هو الموت والخطر؛ لأنه يحتاج إلى تقوى من العبد؛ ولذلك يقول ابن خلدون في مقدمته: إن العرب بالذات من بني آدم لا يهنئون إلا بشرع، حيث لا يقادون إلا بوازع ديني من ذاتهم.
هذا الوازع الديني لا يمكن أن يتأتى إلا من قبل الوحي؛ ولذلك إذا انتبه العبد لوحي السماء وحط العبودية الكاملة لله عز وجل، فإنه يطبق شرع الله بينه وبين نفسه، وبينه وبين ربه، وبينه وبين الخلق دون أدنى رقابة عليه من الخلق، فإذا فقد العبد التقوى فإن قوى الأرض بأكملها لا يمكن أن تحمل العبد على أن يطبق قانوناً واحداً.