قال الله تعالى:{يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأَنْفَالِ قُلِ الأَنْفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ}[الأنفال:١]، و (الأنفال) جمع نَفَل بفتح الفاء، وأخطأ من قال:(نَفْل) بتسكين الفاء، والنَفَل إما أن يكون من أصل الغنيمة قبل توزيعها، أو من الأربعة الأخماس التي هي للمقاتلين والمجاهدين، أو من خمس الخمس الذي هو للنبي صلى الله عليه وسلم قبل توزيع الغنيمة.
والأنفال هو: الذي يأخذه الفارس فوق حقه من الغنيمة، ولذلك قال النبي عليه الصلاة والسلام:(للفرس سهمين وللفارس سهم)، وهذا من أصل الغنيمة، فإذا رأى النبي صلى الله عليه وسلم أن يعطي هذا الفارس شيئاً زائداً عن السهم أو عن السهمين أو عن حظه في الغنيمة فله ذلك، وكذلك لمن ناب عنه من أمراء الجند والقتال دون أدنى اعتراض، ولذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم يعطي أقواماً ويمنع آخرين.
قال سعد بن أبي وقاص:(رأيت رجلاً أبلى بلاءً حسناً، فأعطى النبي فلاناً ولم يعطه، فقلت: يا رسول الله! لقد أعطيت فلاناً ولم تعط فلاناً وهو مؤمن، فقال: يا سعد! أومسلم؟)، يعني: إنما كان يكفيك أن تحكم بالظاهر، ومسألة الإيمان هذه مسألة قلبية لا اطلاع لك عليها، ثم قال عليه الصلاة والسلام:(يا سعد! إنما أعطي أناساً وغيرهم أحب إلي منهم مخافة أن يكبهم الله في النار)، فبين النبي صلى الله عليه وسلم العلة من ذلك، ولذلك لما وزع النبي عليه الصلاة والسلام الغنائم على بعض المهاجرين ومنع الأنصار تكلم الأنصار فيما بينهم، فجمعهم النبي عليه السلام وقال:(يا معشر الأنصار! ألستم الذين قلتم كذا وكذا؟ فقالوا: قد كان منا يا رسول الله!)، أي: هذا كلام قد حصل منا، (فقال: أما ترضون أن يرجع الناس إلى رحالهم بالدينار والدرهم وترجعون أنتم برسول الله صلى الله عليه وسلم؟) فرضوا وطابت نفوسهم بذلك.
قال تعالى:{يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأَنْفَالِ قُلِ الأَنْفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ}[الأنفال:١]، يعني: أن الرسول عليه الصلاة والسلام له أن يضع هذه الأموال الزائدة حيث يشاء، فيعطيها لهذا ويمنعها من هذا دون أن يعترض عليه أحد.