الحياة الزوجية لابد أن تبنى على أسس دينية أخلاقية، والمسئولية في هذا البيت تقع على كل أفراده، ولذلك أخرج البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة أن النبي عليه الصلاة والسلام قال:(كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته، فالرجل راع في بيته ومسئول عن رعيته) مسئول عن زوجه، وبناته، وأولاده، ومسئول عن أبيه وأمه في كبرهما، ومسئول عن أشقائه الذين أقعدتهم الأمراض والعلل عن الكسب إن كان قادراً ومن أصحاب الأموال.
وكذلك (المرأة راعية ومسئولة في بيت زوجها) وهي مسئولة عن ذلك بين يدي الله عز وجل، والولد كذلك راع لأبيه وأمه من جهة البر، والصلة، وتمام الود والحب، ودفع كلمة (أف) التي هي أقل ما يمكن أن يتأذى به الأب والأم، ولذلك قرن الله عز وجل بر الوالدين بالتوحيد والعبادة فقال:{وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا}[الإسراء:٢٣]، أي: وأمر بالإحسان إلى الوالدين كما أمر بعبادته وحده؛ فمن لم يحسن إلى والديه فكأنه ما عبد الله حق العبادة؛ لأن من تمام العبادة لله عز وجل امتثال الأمر واجتناب النهي، وقد أمرك أن تعبده بالإحسان إلى الوالدين، فإذا تركت هذا فما عبدت الله على الحقيقة، وانظر إلى اقتران الأمرين في آية واحدة وفي نسق واحد.
ترتيب الرعاية على كل أفراد المجتمع الإسلامي أمر حتمي لازم، فالحقوق والواجبات على كل من الزوجين، ولك أن تتصور لو أن الله تعالى رتب حقوقاً للزوجة ولم يرتب عليها واجبات، ماذا كان سيكون حالها؟ وكذلك في جانب الزوج، لو أن الله جعل له حقوقاً ولم يجعل عليه واجبات، لابد أن يختل ناموس الحياة بأسره؛ لأنه لا يسود إلا بسوق الحقوق إليه، وأخذ الواجبات التي عليه، ولذلك رتب الإسلام في ذمة الرجل حقوقاً، وكذلك للرجل في ذمة المرأة حقوق، وقابل ذلك بالواجبات، فإذا أدى الرجل ما عليه لابد أن يأخذ ما له، وإذا أدت المرأة ما عليها لابد أن تأخذ ما لها بالإحسان وطيب العشرة، لا أن يتعامل الزوجان مع بعضهما بلغة افعل وافعل، أو: إن فعلت سأفعل، والله تبارك وتعالى بين أن درجة الفضل أعظم بكثير من درجة العدل في قوله:{وَلا تَنسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ}[البقرة:٢٣٧]، أي: حين وقوع الشقاق والخلاف وما يمكن أن يترتب عليه من اضطراب قال: {وَلا تَنسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ}[البقرة:٢٣٧].