[وصية النبي صلى الله عليه وسلم في خطبة حجة الوداع بالنساء]
الحمد لله وكفى، والصلاة والسلام على رسوله المصطفى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
وبعد: فيقول النبي عليه الصلاة والسلام: (استوصوا بالنساء خيراً؛ فإنكم أخذتموهن بأمان الله، واستحللتم فروجهن بكلمة الله).
قال النووي: الراجح في (كلمة الله) قوله تعالى: {فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ} [النساء:٣].
وقال غيره: (كلمة الله) هي الإيجاب والقبول.
وقال غيرهم: (كلمة الله) هي الإسلام والتوحيد؛ لأنه لا يحل لكافر أن يتزوج مسلمة؛ كما لا يحل لمسلمة أن تقبل الزواج من كافر خلافاً لمن فقد عقله في هذا الزمان، وأجاز أن يتزوج الكافر بالمسلمة في بلاد أمريكا وأوروبا، هذا إنسان قد فقد عقله تماماً، وقد تواترت عنه النقول في مخالفات في أصل الاعتقاد، وفي أصل الأحكام التي أجمع عليها العلماء.
فإنا لله وإنا إليه راجعون.
قال: (فإنكم أخذتموهن بأمان الله، واستحللتم فروجهن بكلمة الله، ولكم عليهن ألا يوطئن فرشكم أحداً تكرهونه).
يفهم بعض الناس أنه لا يحل للزوجة أن تدخل رجلاً أجنبياً، ويستندون إلى هذا الحديث، وهذا لعمري فهم خاطئ للنص، وإنما لا يجوز للمرأة أن تدخل بيتها أحداً من محارمها رجلاً كان أو امرأة، ما دامت تعلم أن زوجها يكرهه ويبغضه، وما دامت تعلم المرأة أن الزوج لم يأذن بذلك، لا إذناً صريحاً، ولا إذناً ضمنياً، فذلك لا يحل لامرأة أن تدخل في بيتها رجلاً من أهلها، ولا امرأة من أهلها ما دامت تعلم أن في نفس زوجها منه شيئاً، أو غلب على ظنها، فيحرم عليها دخول أحد من محارمها والحالة هذه.
ولا يجوز لكل زوج أن يضيق الخناق على امرأته، وأن يمنعها من صلة أرحامها ومن دخول محارمها، بل ينبغي أن يعقد حبه وبغضه في الله عز وجل، فإن أوثق عرى الإيمان الحب في الله، والبغض في الله، والعطاء لله، والمنع لله، كل أقوالك وأعمالك صادرة عن الله عز وجل، وعن رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم، قال تعالى: {فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ} [محمد:٢٢].
إن كثيراً من الشباب إذا تزوج بعد الزواج بأسبوع أو أسبوعين، وربما في ليلة الزفاف يصدر قراراً لامرأته لا يقبل النقاش، وهو ألا تدخل أحداً من أهلها، وألا يأتيها أحد من أهلها، إنا لله وإنا إليه راجعون.
هذه أخلاق يقيناً لم تكن موجودة في الجاهلية، فما بال الشباب قد تخلقوا بأخلاق هي من أسافل الأخلاق وأردئها؟! ما بالهم قد فعلوا ذلك؟! ألا يحكمهم دين؟! ألا يحكمهم شرع؟! إنا لله وإنا إليه راجعون.
فلا يحل لرجل أن يمنع دخول محارم الزوجة في بيته خاصة في غيابه، إلا إذا خشي الفتنة على امرأته، أو على أولاده، وعرف من هؤلاء المحارم فجورهم، وتعديهم لشرب الخمر والقتل والاستهتار بالشرع وغير ذلك؛ حينئذ من حق الرجل أن يحافظ على امرأته، وأن يحافظ على أولاده، ويمنعهم من دخول البيت، ولو كان هذا الممنوع أبا الزوجة أو أخاها أو حتى ابنها من زوج آخر.
واجب عليه أن يحافظ على بيته، ولا يحل له أن يمنع صلة الأرحام إلا إذا كان الأمر على هذا النحو، أما دون ذلك فتعدٍ لا يصح، بل يأثم به؛ لأنه من أعظم الإفساد في الأرض كما قال الله عز وجل.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ولكم عليهن ألا يوطئن فرشكم أحداً تكرهونه، ولهن عليكم طعامهن، وكسوتهن بالمعروف).
دخل معاوية بن حيدة على النبي صلى الله عليه وسلم فقال: (يا رسول الله! ما حق امرأة أحدنا عليه؟ قال: أن تطعمها مما تطعم، وأن تكسوها مما تلبس، ولا تضرب الوجه ولا تقبح) أي: لا تقل: هذا الوجه وجه قبيح، أو وجهكِ قبيح، أو قبحك الله أو غير ذلك.
هذا ممتنع، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الله خلق آدم على صورته)، وفي رواية: (على صورة الرحمن).
فكما أن لآدم صورة فكذلك الله تعالى له صورة، وكما أن لله صورة، فإن آدم له صورة، وبينهما من الفروق ما بين الخالق والمخلوق.
إنما المماثلة في اسم الصورة فقط، فالله له صورة، وآدم له صورة، وهذا المضروب على صورة آدم، فمن ضرب أخاه على وجهه فكأنما ضرب أباه آدم.
هذا بعض حقوق الزوجة؛ ولذلك أمر الله عز وجل بتبادل العشرة، فقال: {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [النساء:١٩]، وقال: {وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [البقرة:٢٢٨] أي: عرفاً، هذه امرأة غنية، وهذه امرأة فقيرة، فهذه لها من الحقوق ما تعارف عليها أهلها ووسطها، وكذلك الجانب الآخر.
إذاً: حقوق المرأة لا ينبغي لأحد أن يخرمها، ولا ينبغي لزوج أن يبخل أو أن يضن بمال الله إذا كان في سعة على زوجته وأولاده، إذا وسع الله عليك فوسع على عيالك، وإذا ضاقت الأمور شيئاً فعش على قدر ما معك، وإياك والحرام، فلأن تأكل م