[أهمية الإيمان والعلم في مواجهة أزمات الأمة]
الحمد لله وكفى، وصلاة وسلاماً على عباده الذين اصطفى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
إذا كنا -أيها الإخوة الكرام- جادين في نصر الإسلام وأهله فلا بد من عود حميد إلى الله تبارك وتعالى، وإنني أردت بهذا الكلام نصيحة لنفسي أولاً وللمسلمين ثانياً، أننا لا بد وأن نكون صادقين في العزم وفي الرجوع إلى الله تبارك وتعالى، هذا الذي تصلح به البلاد ويصلح به العباد، وغير ذلك مهما سعينا وبذلنا فإن الله لن يصلحنا أبداً إلا بالإخلاص ثم بالعقيدة الصحيحة السليمة.
إن الأمة تمر الآن بأزمة في إيمانها، إن الأمة لا تعاني قط من أي أزمة أخرى، إلا أزمة الإيمان وأزمة العقيدة الصحيحة، ولذلك بوب البخاري عليه رحمة الله -وهو أول باب في البخاري - قال: باب بدء الوحي.
ثم ثناه بكتاب الإيمان، ثم ثلث بكتاب العلم، كأنه أراد أن يقول: إن أول واجب على المسلم أن يتعلم إيمانه أن يؤمن بالله، وطريق الإيمان العلم، ولما كان مصدر ذلك الوحي فقد بدأ البخاري كتابه بكتاب بدء الوحي، ليدل على أن الوحي والإيمان والعلم مرتبط كله، أو مرتبط بعضه ببعض تمام الارتباط، وأنه لا غنى لواحد منهما عن الآخر، وقد عبر القرآن الكريم عن الإيمان أحسن تعبير، بل عبر عنه بأساليب شتى، فتارة يعبر عنه بأخذ العبرة من الحوارات التي دارت بين الأنبياء وبين أقوامهم، وتارة بضرب الأمثال، وتارة بذكر القصص، وتارة بالأمر بالإيمان كقوله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ} [النساء:١٣٦]، وقال تعالى: {وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلا الإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [الشورى:٥٢].
نعم الإيمان هو النور الذي وقر في القلب وهو العمل، ولذلك يقول أهل السنة والجماعة: الإيمان قول وعمل يزيد وينقص، يزيد بالطاعات وينقص بالمعاصي، فهذه عقيدة أهل السنة والجماعة.
فإيماننا يزيد بالطاعات، فلا بد وأن يرى الواحد منا موطنه عند الله عز وجل إما بطاعته وإما بعصيانه، وأظن أن الكل يرى مكانه في الوحل ويرى منزلته عند الله في الدون لكثرة معاصيه وإقباله على الذنوب والآثام، وبعده عن الطاعة، فإنا لله وإنا إليه راجعون.
فنسأله تبارك وتعالى أن يردنا إلى دينه مرداً جميلا، وأن يمكن لهذا الدين تمكينا متينا.
انظر -يا أخي الكريم- إلى موقف الصحابة رضي الله عنهم، فقد حققوا كمال الإيمان وتمام الإيمان، فأتم الله تعالى عليهم النعمة وأكمل لهم الدين.
نعم هذا حالهم وهذا حالنا، فالفرق بيننا وبينهم أنهم آمنوا بالله، وأما نحن فإن حالنا على غير تلك الحال التي كانوا عليها، ولذلك قضى النبي صلى الله عليه وسلم عدة أعوام في الدعوة في مكة، هل يعلمهم الصلاة والزكاة والصيام والحلال والحرام؟ أبداً، إنما يعلمهم الإيمان، ويعلمهم السمع والطاعة، ولذلك هذا عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان إذا جاء الرجل من البادية يأتي فيمسك بتلابيب النبي عليه الصلاة والسلام ويقول: يا محمد! أعطني من مال الله فإنه ليس مالك ولا مال أبيك، فيقوم إليه عمر بن الخطاب رضي الله عنه ويسل سيفه ويقول: دعني أضرب عنق هذا المنافق يا رسول الله، فيقول النبي صلى الله عليه وسلم: لا يا عمر، اجلس.
فيجلس عمر من كلمة واحدة، وكان عمر إذا قيل له: اتق الله بكى، والواحد منا لو تلي عليه القرآن من أوله إلى أخره لا يبكي ولا يتأثر به، لأن القلوب قد قست وتحجرت.
وهذا سعد بن الربيع وسعد بن معاذ وغيرهما من كبار المهاجرين والأنصار رباهم النبي عليه الصلاة والسلام على الإيمان، وعلى الإخلاص، وعلى التقوى، وعلى الورع، وعلى الزهد في الدنيا، فقاموا بذلك وضربوا المثل الأعلى في تحقيق الإيمان، انظر إلى سعد الذي إذا قيل له: لا تفعل يا سعد، يقول: سمعاً وطاعة لرسول الله، مع أن الأوس والخزرج دارت بينهم حروب طويلة.
انظروا إلى الجاهلية العمياء، ثم يصنع الله تبارك وتعالى على أيدي رسوله من هؤلاء أئمة في الدنيا والدين كذلك؛ لأنهم قد حققوا الإيمان بالله عز وجل، هذا المطلوب منا أيها الإخوة الكرام.