[عدم الموازنة بين العلم والجهل وبين العلماء والجهلاء]
الثامنة: أنه لا موازنة بين العلم والجهل، ولا بين العلماء والجهلاء؛ فإن أهل العلم يرون الفتنة وهي مقبلة، وأهل الجهل لا يرون الفتنة إلا وهي مدبرة، بعد أن تستأصل شأفتهم يرونها بعد ذلك، ثم يقولون: يا ليتنا كنا ويا ليتنا كنا.
فأهل الجهل اغتروا بما كان عليه قارون أعظم طاغية في زمانه، لما خرج عليهم في زينته قالوا:{يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ}[القصص:٧٩]، وفتنوا به أيما فتنة، خاصة بعدما أن رأوا تلك الميديلات التي تحمل المفاتيح التي تنوء بحملها العصبة من الرجال، فما بالك بخزائن قارون، ولذلك نظر الجهلاء نظرة عمياء لزهرة الدنيا ومتاعها، فتمنوا أن يكون لهم ما لـ قارون، ولكن أهل العلم قالوا:{وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا}[القصص:٨٠].
فثواب الله خير، فلو أنك قلت لرجل الآن: صل جماعة في المسجد، لربما قال: والله أنا عندي خشونة في رجلي، وعندي مغص في بطني، وعندي فقرات في ظهري، ولو قيل له: إن في المسجد لجنةً توزع على كل مصل سبعاً وعشرين جنيهاً بعد أداء الصلاة، لأتي به محمولاً على الأعناق؛ حتى يحصل على سبع وعشرين جنيهاً، فما بالكم بسبع وعشرين درجة في الجنة، ما بين الدرجة والدرجة مسيرة خمسمائة عام من منكم يصدق النبي عليه الصلاة والسلام؟! أينا يؤمن بالله حق الإيمان؟ تستغني عن سبع وعشرين درجة وتأتي محمولاً على الأعناق لأجل سبع وعشرين جنيهاً، حتى تعلم أنك لا زلت متخلقاً بأخلاق بني إسرائيل لا بأخلاق أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وأبي عبيدة وغيرهم من الصحابة رضي الله عنهم.
لو أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج فينا الآن هل يعرفنا؟ هل يقر الناس على ما هم عليه الآن؟ الغالب على الظن أنه سيتبرأ منا، وسيعتذر إلى ربه أن هؤلاء ليسوا أتباعي، وإنما بدلوا فسحقاً سحقاً، وأنتم تعلمون أن هذه الرواية إنما جاءت في غير أصحابه عليه الصلاة والسلام، ويمكن أن تكون هذه الرواية قد وردت في شأننا نحن، فـ (بينما النبي عليه الصلاة والسلام على الحوض يدعو أمته إلى أن يشربوا من الحوض، إذا به يسمع صوتاً من قريب أو من بعيد: يا محمد، إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك، لقد بدلوا وغيروا، فيقول عليه الصلاة والسلام: سحقاً سحقاً).
أي: بعداً بعداً.
أتحب أن تكون من هؤلاء؟! أتحب أن تكون ممن يبعد عن حوضه عليه الصلاة والسلام، الذي إذا شربت منه شربة لا تظمأ بعدها أبداً؟ قال أهل العلم في هذه الآية:{كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ}[البقرة:٢٤٩]، وفي قوله:{وَاللَّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَنْ يَشَاءُ}[البقرة:٢٤٧]: آمنوا وسلموا أن هذا من عند الله عز وجل.