إذا التقى الرجل بالمرأة فأول لقاء يجمع بينهما يسبقه مجلس الميثاق الغليظ، ولك أن تتصور أن العقود كلها لم توثق بالميثاق الغليظ إلا ميثاق الإيمان وميثاق النكاح، ميثاق الإيمان وصفه الله تعالى بأنه ميثاق غليظ، وميثاق النكاح كذلك وصفه رب العزة تبارك وتعالى بأنه ميثاق غليظ، كما قال تعالى:{وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنطَارًا فَلا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا * وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا}[النساء:٢٠ - ٢١]، فعقد النكاح ميثاق غليظ ليس لعباً ولا لهواً، بل حياة ربما تطول على قدر عمر الزوجين، ليس عقد بيع وشراء، ولا عقد معاوضة، ولا عقد إجارة، إنما هو الميثاق الغليظ الذي ترتبت على جانبيه حقوق وتكاليف وواجبات، والله تعالى يقول:{هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ}[البقرة:١٨٧]، وأن اللباس هو الذي يباشر بدن المرأة، فشبه الرجل إلى المرأة والمرأة إلى الرجل بالزي الذي تلبسه فيلتصق ببدنك؛ لأن بدنك يلتصق ببدن زوجك والعكس بالعكس، {هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ}[البقرة:١٨٧]، الرجل يلبس المرأة، والمرأة تلبسه فيلتحمان، وهذا باب عظيم من أبواب المودة والرحمة، وهي من أغراض النكاح.
وفي الصحيحين من حديث عقبة بن عامر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:(إن أحق الشروط أن يوفى بها ما استحللتم به الفروج)، أحق شرط يمكن أن يشترطه المرء على نفسه، ويجب عليه أن يؤديه هو الصداق والنفقة اللازمان لقيام الحياة الزوجية، وهما حق استحلال الفرج، لا تطالب المرأة بالإنفاق على بيتها، ولها السكنى والنفقة والمهر أو الصداق كل ذلك واجب على الزوج، وهذا الذي جعل الله عز وجل يفضل الرجل ويرفعه على النساء درجة لما أنفق من أمواله.