الرابع: ألا ينظر إلى حياة اليهود والنصارى وأضرابهما، فإذا نظرت إلى الواقع وجدت اليهود والفساق أغنى الناس، وترى الولد الصغير يركب سيارة من أحدث موديل، ثم ترى صاحب الدين والشرع والسجود والركوع ليس عليه نعمة من ذلك، وقد نظر عمر بن الخطاب أولاً هكذا، فقال:(يا رسول الله! ملوك الفرس والروم ينامون على الحرير وأنت تنام على الأرض؟ فقال له: يا عمر! إنها لهم في الدنيا ولنا في الآخرة).
فهذه زينة أهل الدنيا، ومهما طالت فهي قصيرة، ومهما طالت دنياك فإن قيامتك تكون بموتك، وكم سيكون عمر الإنسان؟ ستين سنة، أو سبعين سنة في رفاهية ونعيم، ثم يشقى بعد ذلك بكفره أبد الآبدين.
وأما من صبر على مُرِّ الطاعة لأجل أن يتنعم نعيماً مؤبداً أبدياً في الآخرة فهذا هو الذكي، وهو العاقل الذي هو مستغن بالله تبارك وتعالى في حياته.
فانظر كيف يتنعم اليهود والنصارى وأرباب المال والحمقى، ثم انظر إلى أحوال الأنبياء والأولياء والصالحين واسمع أحاديثهم وطالع أحوالهم، وانظر إلى صفوة الخلق عند الله تعالى كيف يمن عليهم بالصبر على القليل، والقناعة باليسير، ولو كان التنعم بالأكل فضيلة فإن البهيمة أكثر أكلاً من الإنسان، ولا يوجد إنسان يأكل أكثر من البهيمة، ولو كان النعيم في الشرب فالبعير يشرب قدر ما يشرب إنسان.