حديث معاوية بن الحكم السلمي رضي الله عنه قال:(كانت لي غنم بين أحد والجوانية -وهما منطقتان في أعلى المدينة- فيها جارية لي، فأطلعتها ذات يوم فإذا الذئب قد ذهب منها بشاة)، يعني: راقبها ذات يوم فوجد أن الذئب أخذ منها شاة، (وأنا رجل من بني آدم آسف كما يأسفون -يعني: فحزنت؛ لأن الذئب أخذ غنمة من الغنم- فصككتها -أي: ضربتها على وجهها- فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فذكرت ذلك له، فعظم ذلك علي، فقلت: يا رسول الله! أفلا أعتقها؟ قال: ادعها، فدعوتها، فقال لها: أين الله؟ قالت: في السماء)، وهذا سؤال يغيظ قلوب كثير من الناس، بل قلوب كثير من الدعاة والعلماء، يقولون: لا يجوز أن تسأل هذا السؤال، ولا يجوز أن تعلم ولدك، ولا أن تعلم أحداً هذا
السؤال
أين الله؟ إذا كان المعصوم صلى الله عليه وسلم سأل هذا السؤال وعلمه أصحابه، فما الحرج في أن تسأل هذا السؤال؟ بل ينبغي أن ينشأ الطفل الصغير على هذا السؤال، وعلى الإيمان بالله عز وجل بأسمائه وصفاته، وهذه كانت جارية صغيرة لم تبلغ الحلم ومع هذا سألها النبي عليه الصلاة والسلام، وهي أمة غير حرة، وكان عملها رعي الأغنام، والغالب على رعاة الغنم الجهل، إلا أن يكون العلم قد بلغهم، ومع هذا سألها النبي عليه الصلاة والسلام قال:(أين الله؟ قالت: في السماء، قال من أنا؟ قالت: أنت رسول الله قال: أعتقها فإنها مؤمنة)، فجعل النبي صلى الله عليه وسلم جزاء إيمان هذه الجارية، وصحة اعتقادها في الله عز وجل، وفي رسوله صلى الله عليه وسلم أن أعتقها، وصيرها حرة بعد أن كانت أمة، وهذا الحديث صحيح بلا ريب، وهو عند مسلم في الصحيح، ونازع قوم لا يحبون توجيه هذا السؤال في صحة الحديث، فإنهم إن أثبتوا ضعف الحديث أثبتوا عدم جواز السؤال، ولكن هيهات هيهات، فالحديث صحيح، لا يشك في ذلك إلا جاهل أو من أهل الأهواء الذين كلما جاءهم نص عن رسول الله صلى الله عليه وسلم يخالف ما هم عليه من الضلال حاولوا الخلاص منه إما بتأويله، أو بتعطيله، أو بضعفه، فإن لم يمكنهم ذلك حاولوا الطعن في ثبوته أو في الصحابي الراوي له.
يقول الشيخ خليل هراس عليه رحمة الله: هذا حديث يتألق نصاعة ووضوحاً، وهو صاعقة على رءوس أهل التعطيل، فهذا رجل أخطأ في حق جاريته بضربها، فأراد أن يكفر عن خطيئته بعتقها، فاستمهله الرسول صلى الله عليه وسلم حتى يمتحن إيمانها، فكان السؤال الذي اختاره لهذا الامتحان: أين الله؟ ولما أجابت بأنه في السماء رضي جوابها وشهد لها بالإيمان، ولو أنك قلت للمعطل: أين الله؟ لحكم عليك بالكفر، فهذا إقرار من النبي صلى الله عليه وسلم فضلاً عن قوله، وفضلاً عن فعله، في إثبات العلو والفوقية لله عز وجل.