[نماذج من حياة الصحابة مع سائر الطاعات والقربات]
هذا عبد الله بن عمرو وهو طفل صغير لم يبلغ اثني عشر عاماً من عمره أتى به أبوه إلى النبي عليه الصلاة والسلام ويقول: (يا رسول الله إن هذا الغلام قد فضحني البارحة، زوجته امرأة من قريش فانصرف عنها وقام الليل كله، فقال له النبي عليه الصلاة والسلام: يا عبد الله في كم تقرأ القرآن؟ قال: يا رسول الله أقرؤه في كل يوم مرة، قال: كيف صيامك؟ قال: أصوم كل يوم، قال: كيف قيامك؟ قال: أقوم لله تعالى الليل كله، قال: ما هكذا يا عبد الله).
هذا الطفل الصغير لم تعمل الأمة في مجموعها في هذه الأيام بعمل ذلك الطفل في زمن النبي عليه الصلاة والسلام، هذا فارق جوهري بيننا وبين سلفنا، خاصة أصحاب النبي محمد عليه الصلاة والسلام.
انظروا إلى عبادة هذا الغلام، النبي عليه الصلاة والسلام يقول له (صم من كل شهر ثلاثة أيام، يقول: يا رسول الله أقدر على أكثر من ذلك، قال: صم الإثنين والخميس، يقول: يا رسول الله أقدر على أكثر من ذلك، حتى بلغ به النبي عليه الصلاة والسلام أن قال له: أفضل الصيام صيام أخي داود، صم يوماً وأفطر يوماً).
ووقف على أن أفضل الصيام أن تصوم يوماً وأن تفطر يوماً.
(ثم قال له: يا عبد الله بن عمرو اقرأ القرآن في كل شهر مرة).
انظروا كان رضي الله عنه يقرأ القرآن في كل يوم مرة، فيقال له: اقرأه في كل شهر، فماذا قال؟ (قال: يا رسول الله! إني أقدر على أكثر من ذلك، فقال: اقرأه في كل عشرين، في كل أسبوع، في كل ثلاث، وهو يقول: أقدر على أكثر من ذلك، حتى قال النبي عليه الصلاة والسلام: من قرأ القرآن في أقل من ثلاث لم يفقهه).
ووقف في قراءة القرآن عند هذا الحد، فلا يجوز لأحد أن يقرأ القرآن في أقل من ذلك، وإن كان قد ورد عن السلف رضي الله عنهم أنهم كانوا يعنون بكتاب الله في كل رمضان أكثر من عنايتهم في غير رمضان، فكانوا يقرءونه في كل يوم مرة، أو في كل يومين مرة، أو في اليوم مرتين، فإن الحجة في قول النبي عليه الصلاة والسلام لا في قول أحد من المسلمين، وكل الناس يؤخذ من قولهم ويرد إلا النبي صلى الله عليه وسلم؛ ولذلك لما سأله عن قيام الليل، قال: قم نصفه، قم ثلثه، قم ربعه، فرده النبي عليه الصلاة والسلام إلى قيام داود عليه السلام.
قال عبد الله بن عمرو لما كبر سنه وضعف عن العبادة قال: (ليتني قبلت رخصة النبي صلى الله عليه وسلم).
نحن أمة الوسط، أمة وسطية، أمة العدل، أمة الاعتدال في كل أمر، وما كانت الوسطية في شيء إلا زانته، كما قال النبي عليه الصلاة والسلام: (ما كان الرفق في شيء إلا زانه، وما كان العنف في شيء إلا شانه).
وكما قال الله تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا} [البقرة:١٤٣].
فالأمة الوسط هي الأمة العدل، وأمة العدالة هي أمة محمد عليه الصلاة والسلام، لا أمة أمريكا، ولا أمة أوروبا، الذين يزعمون الآن أنهم يقومون بالعدالة المطلقة المتمثلة لديهم في قتل الملايين من الأبرياء والمدنيين، وتشريد النساء والأطفال والغلمان هنا وهناك، وهم بكل بجاحة يقولون: نحن أمة العدالة المطلقة.
أي عدالة هذه؟! لم تكن حتى عدالة أرضية؛ لأن العقلاء بل المجانين من أهل الأرض يمقتون عدالة أمريكا، وعدالة روسيا، وعدالة أوروبا كلها؛ لأنهم الآن يقتلون المسلمين في كل مكان بالملايين، ويزعمون أنهم إنما يقومون بواجب العدالة المطلقة على الدولة الراعية للعالم كله، هذه غطرسة وقلة حياء، إذا لم تستح فاصنع ما شئت.
إذاً: النبي عليه الصلاة والسلام يأمرنا أن يكون لنا نصيب من العبادة في غير رمضان، وكما قال عليه الصلاة والسلام: (لا يشبع المؤمن من خير يعمله حتى يدخل الجنة).
وهذا عثمان بن عفان رضي الله عنه يقول: لو طهرت قلوبنا ما شبعت من كلام ربنا.
إن الواحد منا إذا قرأ من القرآن الكريم ربعاً أو أقل من ربع أو أكثر قليلاً إذا به يمل ويتثاءب ويريد النوم؛ لأنه لم يعتد العبادة على هذا النحو، وما علم حقيقة فعل السلف رضي الله تبارك وتعالى عنهم مع الله عز وجل، في كل ميادين الطاعة والعبادة.
ويقول النبي عليه الصلاة والسلام في باب الصيام: (من صام في يوماً سبيل الله باعد الله بينه وبين النار سبعين خريفاً).
ويقول النبي صلى الله عليه وسلم لـ حذيفة رضي الله تعالى عنه: (يا حذيفة! من ختم له بصيام يوم دخل الجنة).
فهنيئاً لمن مات صائماً، وهنيئاً لمن مات قائماً، وهنيئاً لمن مات راكعاً أو ساجداً، وهنيئاً لمن مات تالياً لكتاب الله، وهنيئاً لمن مات وهو يمشي في مصالح إخوانه المسلمين، وهنيئاً في الجملة لمن مات على طاعة.
وكل إنسان يبعث على ما مات عليه، قال ابن