[التعامل مع السائل عما هو أكبر منه من القضايا الكبرى]
فإذا أتاك شخص يسألك عن شيء فقل له: تعال، هذه المسألة أكبر منك، من أين أتيت بها؟ ومثلما رأينا أن امرأة في كلية الدراسات الإسلامية كانت واقفة على محطة الباصات وتقول: اللهم العن أبا بكر وعمر، وبعد أبي بكر وعمر لا أدري من كانت تسب، وأنا أسوق السيارة سمعتها، فأوقفت السيارة ونزلت منها، وقلت لها: ماذا تعرفين عن أبي بكر وعمر؟ فخافت وظنت أنني إرهابي، فقالت: أنا لم أقل شيئاً، قلت: لا، أنت لعنت أبا بكر وعمر، وأنا أريد أن أسألك سؤالاً: من وراءكِ؟ هذا هو السؤال الوحيد الذي أريد أن أسأله لك؛ لأن الشيعة منتشرون، والشيعة هم الذين يسبون ويلعنون أبا بكر وعمر، ويتقربون إلى الله بذلك، ويقولون عنهما: هما الجبت والطاغوت، وغير ذلك مما ذكرناه آنفاً في دروس مضت، فأقسمت عليها بالله مراراً أن تقول من وراءها، فقالت: أنا بصراحة أسمع من الدكتورة آمنة نصير.
ووالله العظيم أني توقعت ذلك؛ لأن الدكتورة آمنة نصير زوجة الدمرداش العقاري الذي كان يدافع عن الإخوة المتهمين بقتل رفعت المحكوم، وقد فتن الناس بدفاعه عن الإخوة، وهو المسئول عن الشيعة رسمياً في مصر.
فقلت لها: أنا كنت متوقعاً ذلك، قالت: أتعرفها؟ قلت: نعم، وأعرف زوجها ونشاطها كيت وكيت، وبينت لها مذهب أهل السنة فيما يتعلق بالاعتقاد في الصحابة رضي الله عنهم، وقلت لها: والله لا تنفعكِ آمنة ولا ينفعكِ الدمرداش، وإنما ينفعك حسن اعتقادكِ في الله عز وجل، وفي النبي عليه الصلاة والسلام وفي أصحابه الكرام، وأنتِ مأمورة بكيت وكيت وكيت، ووقفت معها من قبل صلاة الظهر تقريباً بساعة حتى كاد أن يخرج وقت الظهر، وأنا واقف معها في الشارع أربع ساعات؛ لأن هذا أمر خطير جداً ينبغي تصحيحه، وقد أتانا بغير قصد ولا تعمد، وإنما سمعناه ونحن نسير بالسيارة، وهذا بلا شك مسألة عظيمة لا ينبغي للإنسان أن يسمعها ويغض الطرف عنها.
كذلك: قد يأتي شخص فيسأل عن مسألة ليست له، مثل: طالب يأتي فيسأل عن أشراط الساعة وفتن آخر الزمان، وهو لا يعلم كيف يصلي؟! وكيف يصوم؟! وكيف يزكي؟! وكيف يحج؟! وآخر يأتي ويسأل عن حكم المظاهرات التي تحدث، وحكم الذهاب إلى القتال أو الجهاد أو المشاركة مع إخواننا المجاهدين في فلسطين أو في غيرها من البلدان، فيُسأل: أتصلي؟ فيقول: لا، أتصوم؟ فيقول: لا، أتزكي؟ فيجيب: لا، سبحان الله! إن الله سبحانه وتعالى يقول: {الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ} [الحج:٤١]، فالجهاد أصلاً من أجل أن نصلي ونصوم ونأمر بالمعروف وننهى عن المنكر.
قوله: ((الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ)) ماذا عملوا؟ ((أَقَامُوا الصَّلاةَ))، إذاً: فالجهاد ليس مطلوباً لذاته، لكنه مطلوب ليتمكن المسلم من تحقيق العبودية الكاملة التامة لله عز وجل، وهذا هو الغرض من الجهاد.
وآخر في وقت سلمه وراحته لا يصلي ولا يصوم ولا يأمر بالمعروف ولا ينهى عن المنكر، لماذا يجاهد؟ لا أعلم لماذا يجاهد؟ هذه مغالطات ينبغي تصحيحها قبل الدخول.
وآخر يأتي فيسأل عن مسألة عظيمة جداً ليست سهلة، فيتكلم عن الحاكمية فيقول: يا شيخ! الحكم بغير ما أنزل الله كفر أو ليس بكفر؟ فتسأله أنت عن الصلاة فلا يعرف شيئاً، وعن الصيام فلا يعرف شيئاً، وعن مهمات الدين التي تلزمه فلا يعرف شيئاً، مع أنه لو مات فإن الله لن يسأله عن الحاكمية، وإنما يسأله عن هذه المهمات، وعن أصول الدين التي لا يعرف منها شيئاً.
صحيح أن مسألة الحاكمية من أهم المسائل في الدين، لكن كما يقولون: طعام الكبير سم للصغير.
والعلم نتف وطبقات ومراتب، ولذلك إذا نظرنا في كتاب البخاري أو مسلم أو أي كتاب من كتب السنن أو غيرها من المصنفات سنجد أن الأئمة بدءوا بالإيمان والعلم، ثم الطهارة والحيض، والأذان والوضوء والصلاة والزكاة والصيام والحج والنكاح والطلاق والرضاع والرجعة وغير ذلك، ثم في نهاية الكتاب بعد خمسة عشر مجلداً تجدهم يتكلمون عن الفتن وأشراط الساعة، فهل معنى هذا أن الترتيب هذا جاء بدون فائدة وهدف؟ لا، بل لابد أن هذا هو الترتيب الطبيعي لطلب العلم، فتترك أنت كل هذه المهمات وتأتي للكتاب من آخره! إن هذا عكس وانتكاس للفطرة، فينبغي أن يؤخذ العلم نتفاً، أي: حبة حبة؛ لأن من أخذ العلم جملة فاته جملة.
وقال ابن عيينة: أجسر الناس -أي: أجرأ الناس- على الفتيا أقلهم علماً.
فتجد دائماً أن الجاهل جريء، بينما العالم خائف، كما كان حال المائة والعشرين من الصحابة، فهذا يحيل على هذا، وهذا يحيل على هذا؛ لأنهم عرفوا خطورة الفتوى، ولأجل ذلك صنف