فمبدأ النصح لأهل الإسلام كانت عليه البيعة لنبي الإسلام صلى الله عليه وسلم، وهذا فرض عظيم وأمر جلد أن يتناصح المسلمون فيما بينهم بذكر عيوبهم ثم مدحهم بما يستحقونه من مدح دون زيادة ولا نقصان إذا أمنت عليهم الفتنة بأن يغتروا بالمدح، والنبي عليه الصلاة والسلام قد مدح بعض أصحابه ولم يمدح آخرين، فقد مدح أبا بكر، وعمر، وعثمان، ومعاذاً، وغيرهم من الصحابة؛ لأنهم لا يغترون بهذا المدح ولا يخاف عليهم منه، وأن من خيف عليه أن يمدح في وجهه فإن النبي عليه الصلاة والسلام قال في شأنه:(إذا رأيتم المداحين فاحثوا في وجوههم التراب).
وكان عبد الله بن عمر رضي الله عنهما إذا مدحه أحد في وجهه حث التراب في وجهه حقيقة، وهذا محمول على ورعه وتقواه، وإلا فهو أكثر الصحابة لزوماً لآثار النبي عليه الصلاة والسلام، ولا يخاف عليه الفتنة، ولا يخاف عليه الاغترار بالمدح، وإنما فعل ذلك حفاظاً على قلبه فيما بينه وبين الله تعالى.
والنصيحة أمر لازم، وأخرج مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (حق المسلم على المسلم ست: إذا لقيته فسلم عليه، وإذا دعاك فأجبه، وإذا استنصحك فانصح له) أي: إذا طلب منك النصيحة فانصح له، (وإذا عطس فحمد الله فشمته) أي: إذا عطس فقال الحمد لله فقل له: يرحمك الله، ويرد عليك بما علمه النبي عليه الصلاة والسلام: يهديك الله ويصلح بالك، أو يقول: يهديكم الله ويصلح بالكم، (وإذا مرض فعده، وإذا مات فاتبعه).
فموطن الشاهد من هذا الحديث:(وإذا استنصحك فانصح له)، أي: ابذل له النصيحة مريداً للخير لا مريداً للشر، ولذلك قال النبي عليه الصلاة والسلام:(المستشار مؤتمن)، وقال:(من أشار على أخيه بشيء وهو يعلم أن الرشد في غيره فقد خانه).
ومعظم الأمة وقعت في الخيانة، وارتكبت ما ركبه أعداء الأمم والرسل والأنبياء من قبل نبينا عليه الصلاة والصلاة ومن بعده.
وقال النبي عليه الصلاة والسلام:(ثلاث لا يغل عليهن قلب امرئ مسلم: مناصحة ولاة الأمر، ولزوم الجماعة، وأن تعتصموا بالله ولا تشركوا به أحداً).
وفي الصحيحين من حديث معقل بن يسار رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (ما من عبد يسترعيه الله رعية فلم يحطها بنصيحة إلا لم يدخل الجنة)؛ لأنه غاش لرعيته ولأمته، وهذا للأمراء والعلماء.
وقال النبي عليه الصلاة والسلام فيما رواه مسلم من حديث أبي هريرة (إن الله يرضى لكم ثلاثاًَ: أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئا، وأن تعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا، وأن تناصحوا من ولاه الله أمركم).
فالنصيحة أمر لازم ولا قيام لأهل الإسلام إلا بها، وهي جزء من الواجب الأعظم الذي رتب الله تبارك وتعالى عليه خيرية هذه الأمة، فقال سبحانه:{كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ}[آل عمران:١١٠]، فأخر الإيمان وقدم عليه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ لأنه السياج الذي يحيط بالإيمان ويحافظ عليه، ولو أن المؤمنين فيما بينهم لم يتناصحوا لا بد وأن ينقص إيمانهم؛ لأن الرجل يرى العيب في أخيه ولا يدله على الخير ولا ينبهه إلى مكمن الخطر، وكل عيب ينقص بالإيمان كما أن كل خير يزداد به، فتصور لو أن المسلمين أجمعوا ألا يتناصحوا فيما بينهم كيف يكون الحال حينئذ؟ إنها أمة تضرب في أطناب الضلالة إذا أجمعوا على ذلك، ومعاذ الله أن تجمع الأمة على أمر يخالف كتاب ربها وسنة نبيها؛ لأن النبي عليه الصلاة والسلام أخبر في صحيح سنته أن هذه الأمة لا تجتمع على الضلالة أبداً، أي: في مجموعها، ولا يمكن أن يخفى عليها الحق ولا أن يعم فيها الباطل حتى لا يجد هذا الباطل من يرده.