ففي النموذج الأول قال الله عز وجل:{أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ}[إبراهيم:٢٤].
الشجرة إذا استحكمت جذورها في الأرض وامتدت، وعلت فروعها في السماء فمن يخلعها؟ الأمر في غاية العسر، وفي الغالب أن الشجرة إنما تقطع قطعاً من سطح الأرض، أما جذرها فهو ثابت في الأرض؛ لأنها مستحكمة كالكلمة الطيبة، والكلمة الطيبة كما يقول ابن عباس في هذه الآية: هي قولك لا إله إلا الله، أي: لا إله ولا معبود بحق إلا الله، وإلا فالمعبودات والآلهة كثيرة جداً؛ لكنها كلها مزيفة إلا إلهاً واحداً، وهو الله سبحانه وتعالى.
فقولك:(لا إله) نفي لجميع الآلهة، (إلا الله) إثبات لإله واحد وهو الإله الحق سبحانه وتعالى.
{أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ * تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللَّهُ الأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ * وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ}[إبراهيم:٢٤ - ٢٦] وهي الشرك، {وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الأَرْضِ مَا لَهَا مِنْ قَرَارٍ}[إبراهيم:٢٦] ليس لها أصل، فالباطل لا أصل له، وأما الكلمة الطيبة فـ {أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ}[إبراهيم:٢٤]، ولذلك الكلمة الطيبة باقية دائمة، والكلمة الخبيثة اجتثت من فوق الأرض ليس لها قرار ولا ثبات ولا تمكين في الأرض، فلذلك ضرب الله عز وجل للتوحيد مثلاً بالشجرة الطيبة، وضرب للشرك مثلاً بالشجرة الخبيثة ليس لها قرار، فالشرك سرعان ما يزول، أما التوحيد إذا تمكن من قلبك فإنه يرفع نفسك ويزكيها إلى السماء، فتشعر أنها تحلق تحت العرش:{يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ}[إبراهيم:٢٧].