[توصيات مؤتمر السكان المنعقد في مصر]
آخر هذه المؤتمرات المؤتمر الذي سمي بمؤتمر السكان والمنعقد في مصر، وكان من بين التوصيات التي خرج بها هذا المؤتمر إلغاء الميراث، والأزهر بل والدوائر الحكومية قالت: إن أي مخالفة في هذا المؤتمر لقانون السماء لا تلزم أصحابها، لكني أخشى أن يكون هذا كلاماً على ورق، وإلا فالواقع العملي يقول: بأن الأمة الآن وخاصة مصر تمدد هذه التوصيات شيئاً فشيئاً، فكان من بين التوصيات: إلغاء النفقة، والمساواة بين الرجل والمرأة.
وكان منها كذلك: إغفال الدين وتجاهل القيم السماوية، والعمل على هدم الأسرة المسلمة، ورفع ولاية الآباء على الأبناء، وتُرجم هذا فيما يسمى الآن بالزواج العرفي بين الفتيات والشباب، وإن شئت فقل: بين الطلبة والطالبات في الجامعات وفي الثانوية، بل وفي الإعدادية، الولد يذهب إلى الفتاة وإن شئت فقل: تذهب الفتاة إليه، فتقول: وهبتك نفسي، وهو يقول لها: وهبتك نفسي، ثم يأتيان على ذلك بشاهدين من نفس الفصيلة، وفي شقة مهجورة أو مفروشة يتم الوفاق، وإن شئت فقل: يتم الزنا باسم الزواج العرفي، بغير إعلان ولا إشهار وربما بغير صداق، ولكن البلية أنه بغير ولي، وأنتم تعلمون أن المذهب الراجح والصحيح عدم صحة النكاح إلا بولي، وهو مذهب الجمهور خلافاً للأحناف، وعند الأحناف ما عندهم من الشبه؛ ولذلك العدل أننا نقضي بأن الزواج الذي يتم على مذهب الأحناف بغير ولي زواج فاسد وليس باطلاًَ وبينهما فرق.
وكذلك من توصيات هذا المؤتمر إباحة الزنا وإباحة الإجهاض، وإذا أُبيح الزنا فلابد لزاماً من إباحة الإجهاض؛ ولذلك تتكرر الأسئلة بالليل والنهار وتطرح على مسامع الدعاة والشيوخ والعلماء من الأطباء والطبيبات وغيرهم: ما حكم الإسلام في الإجهاض جائز أم لا؟ وما حكمه قبل الأربعين يوماً أو قبل المائة والعشرين يوماً، أو بعد هذه المدة؟ الأسئلة كثيرة جداً في هذا المجال؛ لأن هذا الذي تفعله تلك الفتاة أو هذا الشاب يحيك في صدرها أنه زنا وأنه ليس زواجاً صحيحاً؛ ولذلك يتواصى الشباب والفتيات فيما بينهم بكتمان هذا الذي يسمونه زواجاً عرفياً، ولذلك الولي يفاجأ إذا تقدم لابنته رجلاً لخطبتها أو لنكاحها؛ يفاجأ بأن ابنته قد تزوجت من قبل، وربما تزوجت بدل الواحد اثنين وثلاثة وأربعة، وترى أن هذا من تنفيذ مؤتمر السكان في تقرير مبدأ المساواة بين الرجل والمرأة، فلها كذلك أن تعدد، كما أن للرجل أن يعدد، وهذا بلاء عظيم جداً، لا أقول: فهماً مخلوطاً ولا مغلوطاً، ولكنه الإلحاد بعينه والكفر بشريعة الرحمن تبارك وتعالى.
فالإجهاض لا يتم لإباحة الزنا؛ ولذلك لا نعدم قوانين في المستقبل تبيح الإجهاض مطلقاً بغير قيد ولا شرط.
وكان من مؤتمر الإسكان كذلك أنه حارب الختان، لا أقول: منع الختان، وإنما حارب الختان؛ يقولون: الختان مسألة خلافية، وهل يجرم أو يحارب المخالف؟ وهل تصادر أقوال المخالف؟ مع أن المخالف في هذه القضية معه الأدلة، وإذا اختلف أهل العلم في قضية بين الوجوب والاستحباب، فلا أقل من أننا نقول: إن الختان مشروع؛ لأن هذه الأقوال التي تقدم بها أهل العلم سلفاً وخلفاً كلها تقضي بمشروعية الختان، ولكن المشروعية اختلفت بينهم، فمن قائل بالوجوب ومن قائل بعدم ذلك، لكن لم يقل أحد منهم بالتحريم.
والعجيب أن كبيراً من كبارهم، وهو أحد رجال جامعة الأزهر الشريف، وعضو بينهم، يقول: ليس في الصحيحين ولا في أحدهما ولا في كتب الحديث كلمة واحدة توحي من قريب أو بعيد بمشروعية الختان، مع أنه قد ثبت في صحيح مسلم وغيره أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (إذا جلس الرجل بين شعبها الأربع ومس الختان الختان)، وفي رواية: (وجاوز الختان الختان فقد وجب الغسل).
وفي حديث علي عند أحمد وغيره: (إذا مس الختان الختان فقد وجب الغسل أنزل أم لم ينزل)، فأثبت النبي عليه الصلاة والسلام أن في هذين الحديثين ختاناً.
وقوله عليه الصلاة والسلام لـ أم عطية الأنصارية لما دخلت المدينة فوجدها كانت تعمل هذا العمل، وكانت مشهورة به، وهو إجراء الختن للنساء، فقال النبي عليه الصلاة والسلام لها مرشداً وموجهاً: (أشمي ولا تنهكي)، يعني: خذي القدر الزائد فقط (ولا تنهكي) أي: ولا تستأصليه بالكلية فيضر.
ولسنا بصدد بيان مشروعية الختان، وإلا فقد رددت على شيخ الأزهر وعلى الدكتور أحمد عمر هاشم وغيرهما ممن سار في ركاب القوم وأنكر مشروعية الختان، وقال: إن الختان عادة فرعونية، على فرض أنه عادة فرعونية، وسنسلم لكم جدلاً بأنه عادة فرعونية، أنتم تحترمون الفراعنة بالليل والنهار، وتظهرون مآثر الفراعنة بالليل والنهار، فلم لا تحترمونهم في مثل هذا، إلا أنه خالف هواهم، فلا أنتم تعبدون الله ولا تتبعون الفراعنة، وإن شئت فقل: ولا لكم نبي تحترمونه؛ لأنكم لو أسلمتم حق الإسلام لانقدتم تمام الانقياد لله ورسوله، لكن لما فاتكم هذا وذاك تخبطتم وتحيرتم هنا وهناك، فإذا