المرأة إذا طُلقت الطلقة الأولى لا تخرج من البيت ولا يخرجها زوجها، وإنما تبقى لعل الله يحدث بعد ذلك أمراً، ويجعل بينهما وداً، فعندما تكون المرأة غائبة عن زوجها أو امرأة خرجت عنوة عندما قال لها زوجها، وأخذت ثيابها وخرجت خارج البيت، فما دامت بعيدة عن العين فلابد أن تكون بعيدة عن القلب، لكن بقاؤها في البيت لا يؤمن معه أن ينظر إليها وأن تنظر إليه، وأن يسمع منها كلمة أو تسمع منه، أو ينام معها في فراش، له ذلك كله، لكن لا يجامعها إلا بنية الرجعة، فتصور أن الرجل يقيم مع امرأة في بيت واحد ثلاثة قروء للعدة، وهو يكلمها، لابد أن يحدث بينهما شيء من الملاطفة أو يحصل الندم من الطرفين فيندمان على ما بدر منهما فيعالجان ويصلحان ويصححان ما فسد من سوء تصرفهما، فيرجعان إلى بعضهما، ويعزمان على ألا يعودا إلى ما ندما عليه من قبل، فإن تسلط الشيطان في لحظة ضعف وطلق الطلقة الثانية ذاق مرارة الفراق، وذاقت هي ألم الهجر وعار الطلاق الذي تعير به هنا وهناك، فإن راجعت نفسها واعتذرت عما بدر منها، وراجع نفسه، فوافق هواها هواه أو العكس رجعا وندما وحرصا على ألا يقع بينهما الطلقة الثالثة؛ لأن الحال بعدها ليس كما كان قبلها؛ {فَإِنْ طَلَّقَهَا}[البقرة:٢٣٠] أي: الثالثة، {فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ}[البقرة:٢٣٠] في نكاح صحيح، ليس نكاح تحليل، ولذلك قال النبي عليه السلام:(لعن الله المحلل، والمحلل له)، إذا تزوج رجل امرأة صاحبه ليحلها له فهو ملعون، وإذا كان هذا باتفاق مع زوجها الأول فهو ملعون، ولذلك لابد أن يكون في نية العاقد عند العقد بقاء العشرة ودوامها مع هذه المرأة، وإلا فهذا النكاح نكاح متعة مؤقت بوقت، يقول: أنا أتزوجها ليلة أو أسبوعاً أو شهراً أو عاماً أو مدة بقائي في هذا البلد أو غير ذلك، فإن هذا النكاح الذي يعجبني فيه من أقوال أهل العلم: أنه نكاح متعة غير صحيح، وهو نكاح باطل منسوخ بالإسلام منذ عهد نبينا عليه الصلاة والسلام؛ لأنه لا ناسخ بعده عليه الصلاة والسلام.
فإذا وقعت الطلقة الثالثة خرب البيت، وفسدت الأسرة، وكان فيها من السلبيات ما فيها، لكن أقول: هذا إذا كان عند الزوج نوع تسرع، ولذلك من أعظم فوائد جعل القوامة بيد الرجال أن الرجل أضبط لأمره، تصور لو أن المرأة غضبت وكانت الولاية في يدها ستقول له: أنت طالق، لو كانت المرأة هي التي تطلق لخربت كل البيوت بعد النكاح بأشهر على الأقل.
لكن الرجل يعرف مغبة ذلك من نفقة وسكنى وحضانة وغير ذلك بعد الطلاق، وهذا عبء لا يستطيع أن يصبر عليه حتى بعد الطلاق، مثل أن يقول قائل: يا رب! أنا مريض فأمتني! أولاً هل تعلم أنك إذا مت ستذهب إلى النعيم؟ ربما ذهبت إلى الجحيم فكان المرض لك خيراً من الموت، ولذلك يقول النبي صلى الله عليه وسلم:(لا يتمنين أحدكم الموت لضر نزل به، ولكن ليقل: اللهم أحيني إن كانت الحياة خيراً لي، وتوفني إذا كانت الوفاة خيراً لي)، فلا اعتداء في الدعاء، يدعو بهذا ويكل الأمر إلى الله عز وجل اللطيف الخبير الذي يعلم السر وأخفى، ويعلم الخير والشر، يعلم ما ينفعك ويضرك، ويختار لك، والنبي عليه الصلاة والسلام شرع لنا الاستخارة في الأمور، وكان الصحابة رضي الله عنهم يدعون الله تعالى حتى في شراك -سيور- نعالهم، يعني: توكل كامل على الله عز وجل فيما دق من حياتهم وجل، فيما عظم وكبر، يكلون أمرهم كله لله عز وجل.