كان السلف يخافون من نعمة المال أشد الخوف، وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه إذا فتح الله عز وجل عليه الفتوح -وقد كثرت الفتوح كثرة بالغة ملحوظة في عهد الفاروق الفاتح رضي الله عنه- قال: ما حبس الله تعالى هذا عن نبيه ولا صاحبه لشر أراده بهما، وأعطاه عمر إرادة الخير له.
فقد كان عمر يدرك أن هذه الفتوح تحمل بين طياتها من الشر ما لم يكن موجوداً في عصر النبوة ولا في عصر الصديق رضي الله عنه، وكان يوقن تماماً أن هذه الفتوح كما تحمل الخير فإنها تحمل كذلك الشر.
وكان أبو الدرداء رضي الله عنه يدرك ذلك جيداً، فكان إذا فتح الله على المسلمين بلداً من البلدان كان الناس يضحكون ويمرحون، إلا هو فكان يبكي ويقول: لقد سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (إنما تفتح عليكم الدنيا فتنافسوها كما تنافسوها، فتهلككم كما أهلكتهم).
فكان ينظر إلى الفتوح وإلى كثرة المال الذي أتى من قبل الغنائم على أنه شر وليس خيراً.
وقال يحيى بن معاذ: الدرهم عقرب، فإن استطعت رقيته وإلا فلا تأخذه، فإنه إن لدغك قتلك سمه، قيل: فما رقيته؟ قال: أخذه من حله ووضعه في حقه.
أي: أن تأخذه من حلال وتضعه فيما أمرك الله عز وجل.
وقال: مصيبتان للعبد في ماله عند موته، قيل: ما هما؟ قال: يؤخذ منه كله ويسأل عنه كله.
فهو يدع المال كله للورثة، ومع هذا فسيحاسب عن هذا المال كله.