[النظر إلى من هو دونك في الدنيا]
الخامس: أن يعرف ما في جمع المال من الأخطار والهموم والأحزان، وينظر إلى ثواب الصابر، وينظر إلى من دونه في الدنيا، وإلى من فوقه في الدين، فإذا أردت أن تعيش حياة هنية في الدنيا فانظر إلى من هو أدنى منك، وفي جانب الدين انظر إلى من هو أعلى منك.
فإذا شاهدت رجلاً يقوم الليل في كل ليلة فقم مثله فهو ليس أحسن منك، وإذا كنت فقيراً ففلان أفقر منك، ومع هذا فهو صابر وراض بما قدر الله وقسم، ولذلك كان النبي عليه الصلاة والسلام يقول: (انظروا إلى من هو أسفل منكم -أي: في الدنيا-، ولا تنظروا إلى من هو فوقكم؛ فإنه أجدر إلا تزدروا نعمة الله عليكم).
ولو نظرت إلى الأغنياء فلن ترضى بما قسم الله لك، وهذه بلية عظمى، ولو نظرت إلى من هو أفقر منك فستقول: الحمد لله، أنا في حالة جيدة، فهذا عار وأنا لابس، وهو جائع وأنا شبعان، وهو عطشان وأنا ريان، ولو جلست على موائد الملوك والرؤساء والأمراء وأصحاب الأموال فستقول: أين أنا من هؤلاء الناس؟ فمهما كنت صاحب دين وليس عندك يقين ومنهاج داخل نفسك فستقول: أنا أرضى بهذه الحياة، ولا بد أن أحصل على المال ولو من الأموال الربوية، ولو سرقت.
ومع ضعف الإيمان في القلب تكون النتيجة أنك تبدأ في التخلص من كل شيء، وتعيش حياة الفساق من أولها إلى آخرها.
فعماد الأمر الصبر على ما قدره الله لك وقضاه، وقصر الأمل في الدنيا، وأن تعلم أن غاية صبرك في الدنيا أيام قلائل، والنبي عليه الصلاة والسلام قال: (أعمار أمتي ما بين الستين إلى السبعين، وقليل من يجاوز ذلك).
ولو نظرت إلى حياة أبي لهب وحياة عمر بن الخطاب فستجد أن هذا استمر في كفره، وهذا صار خليفة للمسلمين، وأميراً للمؤمنين، وكلاهما قد مات، ولكن أحدهما يتنعم في قبره والآخر يعذب في قبره، إلى قيام الساعة، وليس هذا هو المنتهى، بل هذا ينتقل من نعيم إلى نعيم أعظم أبدي، وهذا ينتقل من عذاب إلى عذاب أعظم أبدي سرمدي؛ لأنه لم يقبل طريق الهدى، وهذا قبل طريق الهدى، فكأفأ الله عز وجل كلاً بحسب عمله وبما قدم، فينبغي لمن فقد المال أن يستعمل القناعة.
واعلم أن ما اختاره الله لك هو خير مما تصبو نفسك إليه، ومن وجد المال فقد وجب عليه أن يستعمل السخاء والإنفاق واصطناع المعروف، فإن السخاء من أخلاق الأنبياء، وهو أفضل أصول النجاة، وفي الحديث: (اصنعوا المعروف؛ فإن صنائع المعروف تقي مصارع السوء).
يعني: صناعة المعروف فيها النجاة كل النجاة من الهلاك والانحراف.
وقد صح عن النبي عليه الصلاة والسلام: (أنه كان أجود الناس، وكان أجود من الريح المرسل).
فقد كانت تمتد يده إلى الخير والصدقة للخلق جميعاً امتداداً أسرع من الريح التي يرسلها الله عز وجل، وما سئل عن شيء قط فقال: لا، وإن رجلاً سأله فأعطاه غنماً بين جبلين، يعني: قطيعاً كبيراً جداً من الغنم -مقدار ما يملأ بين جبلين- فأخذ الرجل هذا القطيع وذهب إلى قومه، فقال لقومه: آمنوا بمحمد، فإنه يعطي عطاء من لا يخشى الفقر أبداً، فأتى هذا الرجل بقومه جميعاً فأسلموا وطلبوا حاجتهم، فلم يمنعهم إياها رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فالجود والسخاء أدخل أقواماً وأمماً في دين الله عز وجل.