إذا كنت تؤمن بأن الله تبارك وتعالى هو الرازق فاعقد على ذلك قلبك، واعلم أنه ما كان لك لن يأخذه غيرك، وما كان لغيرك فمهما بذلت من جهد فلن يصل إليك: ولو اجتمع الخلق أجمعون على أن يضروك فلن يضروك إلا بشيء قد قدره الله عليك، فاعلم إن ذلك من عند الله أولاً، ولكنه جعل هؤلاء أسباباً لمنع الرزق عنك، وإذا كان الله تبارك وتعالى يقدر لك الخير فلو اجتمع الناس على أن يمنعوا هذا الخير عنك لا يمكن لهم ذلك أبداً؛ لأنهم في قبضة المولى عز وجل، يصرفهم عنك ويخيب سعيهم ورجاءهم، فاعلم أنك في قبضة المولى عز وجل، وإيمانك بأن الله تبارك وتعالى هو الرازق لابد أن يظهر عملياً في حياتك.
إذا كنت تعلم أن الله تبارك وتعالى هو الرقيب على عباده، وعلى أفعالهم وعلى أقوالهم، وجعل من الملائكة كذلك حفظة لأعمال الخير والشر، فإذا كنت تستشعر أن الله تبارك وتعالى يراك، وسيحاسبك، وهو قادر على عذابك، وأنه رقيب عليك مطلع على أعمالك وأقوالك، فإذا كنت حقاً مستشعراً لهذا فهل تقترب من الذنب والمعصية، إن سبب وقوعك هو عدم استشعارك بأن الله تعالى يراك، وهذا هو الإحسان لله عز وجل:(أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك)، فلتكن هذه عقيدتك سواء كنت ترى الله، أو كنت لا تراه، فإن الله تبارك وتعالى لابد أن يكون داخلاً في اعتقادك وأنه يراك ويسمع قولك، بل ويعلم السر وأخفى، ويعلم ما تحدث به نفسك، وما توسوس به نفسك، وهو أقرب إليك من حبل الوريد.
وإذا كنت تحقق معنى الرقيب في نفسك، فاعلم أنه ينبغي لك أن تقلع عن المعصية، ولذلك الذي يقع في المعصية لابد وأنه قد غاب عنه في حين المعصية أن الله رقيب، {وَأَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعَذَابِ}[البقرة:١٦٥]، و {إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ}[آل عمران:١٩٩]، وأن الله قوي جبار منتقم، غابت عنه هذه المعاني كلها، ولذلك يقول النبي عليه الصلاة والسلام:(لا يزني الزاني حين يزين وهو مؤمن).
لا يمكن أن يزني العبد وهو مستشعر أن الله تبارك وتعالى يراه؛ فلو جيء بأجمل نساء العالم، ووضعت في غرفة، وبجوار هذه الغرفة غرفة أخرى قد أوقدت ناراً، وجيء برجل فرأى النار، ورأى تلك الحسناء فقيل له: ازن بهذه ثم اعلم أنك بعد فراغك من هذه الفاحشة ستلقى في الغرفة الأخرى، فلا يمكن أن تتحرك له شهوة أبداً؛ لأنه يرى العذاب أمام عينيه.
فإذا استشعر العبد عذاب الله تبارك وتعالى الذي سيراه في الآخرة فلا يمكن أبداً أن يجترئ على المعصية، ولا يمكن أن يتخلف عن أداء الزكاة، ولا يمكن أن يؤخر الفرض إلى وقت الفرض الآخر، وإن الناس -وخاصة النساء- إنما يقدمون على معصية الله عز وجل لغياب الحساب عنهم؛ لأنهم لا يستشعرون أن الله تبارك وتعالى رقيب عليهم يحاسبهم ويعاقبهم، وهو شديد الحساب، سريع العقاب، فلما غابت عنهم تلك المعاني وقعوا في الفاحشة، ولكنهم لما أفاقوا من فعلتهم لجئوا إلى الله تبارك وتعالى، فرجع لهم إيمانهم مرة أخرى، ولذلك قال عليه الصلاة والسلام:(لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن، ولا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن، ولا ينتهب نهبة ذات شرف يرفع الناس إليه فيها أبصارهم حين ينتهبها وهو مؤمن)، فكل معصية يقدم عليها العبد لابد وأنها بسبب غفلة عند ذلك العبد.
والمعاصي لها تأثيرات عظيمة جداً في قلب طالب العلم، وفي نفسه وذاكرته وعقله، فإنه كلما ازدادت معصيته قل علمه أو ذهب، أو لم يثبت في ذاكرته، ولذلك يقول الشافعي رحمه الله تعالى: شكوت إلى وكيع سوء حفظي فأرشدني إلى ترك المعاصي وأخبرني بأن العلم نور ونور الله لا يؤتاه عاصي ويقول الله تعالى: {وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ}[البقرة:٢٨٢]، فالتقوى ملازمة للعلم، والعلم ملازم لها، بل إن من ثمرة التقوى أن يعلمك الله تبارك وتعالى العلم الشرعي النافع، انظر إلى أسماء الله: الغفور، الرحيم، التواب، هذه الأسماء لو أنك استشعرت معانيها فما هو الأثر السلوكي في تزكية نفسك حينئذ؟ الأثر السلوكي أنك لا تقطع الرجاء بالله عز وجل؛ لأنه الغفور الرحيم، ولأنه التواب، فأنت ترجو من بيده المغفرة وبيده الرحمة وبيده التوبة، وتحسن به الظن أيما إحسان، ولذلك قال المولى عز وجل:(أنا عند ظن عبدي بي فليظن بي ما شاء)، وفي رواية:(فلا يظن بي إلا خيراً)، ولذلك يقول النبي عليه الصلاة والسلام:(لا يموتن أحدكم إلا هو يحسن الظن بالله عز وجل)، ويقول الله تعالى كما في الحديث القدسي:(أنا عند ظن عبدي في فليظن بي ما شاء، إن خيراً فخير وإن شراً فشر).
فعلينا أن نحسن الظن بالله عز وجل، ولكن حسن الظن لابد أن يحملنا على حسن العمل، ولذلك ليس هناك رجاء وحسن ظن إلا ولابد أن يسبقه عمل؛ لأن عائشة رضي الله عنها لما (تلت قول الله عز وجل: {وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوا