[شروط الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر]
شروط الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كثيرة فمنها المتفق عليها، ومنها المختلف فيها.
أما المتفق عليها: فينبغي أن يصدر الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر عن علم وبصيرة، حيث لا يجوز للجاهل أن يأمر وينهى؛ لأنه ربما ذهب ليأمر بأمر يظن أنه معروف، فإذا به منكر حال بينه وبين معرفة ذلك جهله! وربما ذهب ينهى عن أمر يظن أنه شر ومنكر، فإذا به معروف قد أمر الله عز وجل به.
قال الله عز وجل: {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُوا إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ} [يوسف:١٠٨] أي: على علم.
فهذا واجب على أهل العلم وطلبته من أمة النبي عليه الصلاة والسلام إلى قيام الساعة.
الشرط الثاني من الشروط المتفق عليها: القدرة والتمكين؛ حيث لا يكلف الله نفساً إلا وسعها.
وقال النبي عليه الصلاة والسلام: (من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه -وهذا انتقال من القدرة باليد إلى اللسان- فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان).
ولذلك قال أهل العلم: شرط القدرة متعلق باللسان واليد، ولا تعلق له بالقلب؛ لأنه في مقدور كل إنسان أن ينكر بقلبه، وأن يترك موطن الباطل، وموطن المنكر، ويزول عنه إن لم يستطع إزالته.
فالقدرة شرط، والتمكين شرط أي: التمكين من أداء الدعوة إلى الله عز وجل باليد أو باللسان، وأنبه وأحذر أهل الباطل أن يقفوا أمام الدعوة إلى الله عز وجل! والجهاد نوع من أنواع الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وكان النبي عليه الصلاة والسلام إذا واجه قوماً خيرهم بين ثلاث: إما الإسلام، فلهم ما للمسلمين وعليهم ما عليهم، وإما دفع الجزية عن يد وهم صاغرون، وبذلك يضمن لهم النبي عليه الصلاة والسلام حماية أموالهم وأعراضهم، وإما القتال إن حالوا بين النبي عليه الصلاة والسلام وبين تبليغ دعوة الحق إلى الخلق، فينبغي أن يقاتلوا، فيجب على أهل التوحيد أن يقاتلوا أهل الشرك والكفر إن حالوا بينهم وبين مهمتهم وأداء رسالتهم.
الشرط الثالث: أن تعلم أن المنكر عليه وقع في المنكر حقاً، إما بترك الأمر، أو اجتناب النهي، فلابد أن يتحقق وقوعه في هذا المنكر.
الشرط الرابع: وهو المتعلق بدرء المفاسد وجلب المصالح، وإنكم لتعلمون جميعاً أن درء المفسدة مقدم على جلب المصلحة، وقياس المصالح والمفاسد يكون بشرع الله كتاباً وسنة، وإجماع أهل العلم، لا بالأهواء، ولا بالمصالح الشخصية؛ ولذلك لا يجوز تعطيل الحدود، ولا شرب الخمر، ولا الخناء ولا الزنا بدعوة المصلحة، أو بدعوى السياحة، أو بدعوى أن في بلاد المسلمين أناساً غير مسلمين، فيزعمون أن تطبيق الشريعة أمر يؤذي مشاعر الآخرين، حتى وإن غاظهم ذلك حتى وإن كمدهم، فلنا ديننا ولهم دينهم.
كما لا يجوز كذلك الانطلاق لكسب الحرام، حتى وإن كان الغرض صحيحاً، كما سمعنا مراراً: أن فلانة تغني، وأن فلاناً يرقص وغير ذلك من المنكرات والفظايع والمهلكات بدعوى سداد ديون مصر! إن مصر غنية عن أداهم وبلائهم، إنه لا يصح إلا الصحيح، فالله عز وجل نهى الأمة بنواهٍ يجب أن يأخذوا بها بقوة، كما قال تعالى: {خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ} [البقرة:٦٣].
{يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ} [مريم:١٢].
وهذه الأمة في أمس الحاجة إلى أن تتمسك وتعض على هذا الدين بنواجذها في زمن قد اختلط فيه الخير بالشر، والحق بالباطل، بل صار الحق باطلاً، والباطل حقاً، وصار المنكر معروفاً، والمعروف منكراً، فإنا لله وإنا إليه راجعون.
إذاًَ: درء المفاسد مقدم على جلب المصالح، فإذا أمنت الفتنة، وتحققت المصلحة الشرعية من الدعوة إلى الله عز وجل، فإنه يجوز حينئذ ولا مناص.