للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكان قوله عز وجل: {لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ} [الفتح: ٢٧] معناه: إذا شاء اللَّه آمنين، وهذا سائغ في كلام العرب، واللَّه لا يحتاج أن يستثني، لأنه يعلم ما يكون وما لا يكون، وما لا يكون لو كان كيف كان يكون، وهذا في القرآن في مواضع كثيرة.

وإنما يستثني من لا يدري هل يكون ما قال أم لا، ألا تراه لما أتى عمر أبا بكر رضي اللَّه عنهما، يوم الحديبية فقال: أليس قد قرأ علينا {لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ}؟ قال له أبو بكر بطبعه السليم وعلمه الواسع: قال لك في هذا العام؟ ! ثم أتى النبيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- فخاطبه بمثل ذلك، وقال: ألسنا على الحق وعدونا على الباطل، فلم تُعطَ الدَّنِيَّة في ديننا؟ ثم قال: أليس قال اللَّه عز وجل: {لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ}، وقد وعدتنا بذلك، فقال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "أقُلْتُ لكَ في هذا العام؟ " (١)، فوافق قولُ أبي بكر قولَ النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، وكان أصحاب رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- كلُّهم قد نفروا من المقاضاة، ولحقهم ما لحق عمرَ خلا أبي بكر، فمعناه: إذا شاء اللَّه، ولما شاء اللَّه فتحها عليه فدخلها، ثم دخلها حاجًا أو معتمرًا.

ثم أظهره اللَّه على الدين كله، فلم يبق أهل ديانة إلا أظهره اللَّه عليهم، إما بغلبة قتال، وإما بخوف وبإجلاء عن أوطانهم، أو بإذعان بالجزية، فهذا إظهار وغلبة بيِّنة، وأما من سِوى هؤلاء فأظهره اللَّه عليهم بالحجة، وكفى به إظهارًا، ألا تسمع إلى قوله: {أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [المجادلة: ٢٢]، يعني: الغالبين، وقوله: {إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ} [غافر: ٥١]، فأعلم أنه ينصر رسله في الحياة الدنيا، وقد عَلِمنا أنهم يُغلبون ويُؤذَون، وقد قال لنبيِّنا -صلى اللَّه عليه وسلم-: {وَدَعْ أَذَاهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ} [الأحزاب: ٤٨]، وقال: {مَا يُقَالُ لَكَ إِلَّا مَا قَدْ قِيلَ لِلرُّسُلِ مِنْ قَبْلِكَ} [فصلت:


(١) رواه البخاري في مواطن من صحيحه منها رقم ٢٧٣١، كتاب: الشروط، باب: الشروط في الجهاد والمصالحة.

<<  <  ج: ص:  >  >>