للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال جابر بن عبد اللَّه: أقبلت عِير بتجارة يوم جمعة، ورسوله -صلى اللَّه عليه وسلم- يخطب، فانصرف الناس ينظرون، وبقي رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- في اثني عشر رجلًا، فنزلت هذه الآية.

وقوله: {أَوْ لَهْوًا}، إنما هو تجارة ولهوًا، لأنهم كانوا إذا أتت العِير ضُرب بين يديها بالدف، ومَرّ السودان يلعبون بين يديها، ومثل هذا في القرآن كثير، قوله سبحانه: {وَلَا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِمًا أَوْ كَفُورًا} [الإنسان: ٢٤]، إنما هو آثمًا وكفورًا.

وروى جماعة مثل الذي رواه جابر بن عبد اللَّه (١)، وقاله جماعة من التابعين منهم من وصله، ومنهم من أرسله، ولم يُختلف في ذلك.

وقال فيه الحسن: إن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- كان يخطب، فقدمت عِير فأسرع الناس إليها، فنزلت: {وَتَرَكُوكَ قَائِمًا}، فقال: "والذي نفسي بيده لو تبايعتم لاضطرم ما بينهما نارًا" (٢).

فلما كان الذي أُنكر عليهم البيع الذي تجري به العادة، ويدوم الاشتغال به، حَرُم عليهم، وليس يدوم الاشتغال بالنكاح والعتق وما أشبهه، فلم يدخل ذلك في التحريم، ألا ترى أنه قد رخص لمن تخلف عن الجمعة، وغلظ على من تركها ثلاثًا، فقيل: طبع على قلبه، فلو أطلق للناس البيع لتشاغلوا به في كل الجُمَع، والنكاح والعتق لا يشتغل به، ولا يدوم فعله، فدخل في باب الرخصة، وإن كنا ننهى عنه أيضًا، كما نأمر ألا يتخلف أحد عن جمعة، ولا نرى مَن يتشاغل عن جمعة واحدة معاقَبًا.


(١) حديث جابر متفق عليه، رواه البخاري في صحيحه برقم ٢٠٦٤، كتاب: البيوع، باب قوله تعالى: {وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً. . .}، ومسلم في صحيحه برقم ٨٦٣، كتاب: الجمعة، باب في قوله تعالى: {وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً. . .}.
(٢) رواه القاضي إسماعيل بن إسحاق في أحكام القرآن (ص ٢٢٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>