للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد احتج قوم ممن يقول بجواز البيع في هذا الوقت (١)، بقوله سبحانه: {ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ}، وأنه قيل: ذلكم خير لكم، دل على الترغيب، فغلط غلطًا فاحشًا، لأن اللَّه عز وجل إذا نهى عن شيء ففيه الخير للعباد، وقد قال: {وَلَا (٢) تَقُولُوا ثَلَاثَةٌ انْتَهُوا خَيْرًا لَكُمْ} [النساء: ١٧١]، فهل يجوز أن يقال إن هذا غيرُ واجب؟ وإذا أُمروا بالذهاب إلى الجمعة وجب عليهم ألا يفعلوا شيئًا يتشاغلون به عن إدراك الجمعة، ولما قيل في تحريم الصيد قيل: {وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا}، كذا قيل هاهنا: {فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ} [الجمعة: ١٠].

وقيل: {فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ} [البقرة: ٢٢٢]، فكان ذلك كله إذنًا وإطلاقًا بعد الحظر، فيما أمرهم به من اعتزال النساء في المحيض، وفي الصيد، وفي البيع بعد الفراغ من الصلاة.

وقد عارض قوم بأن قالوا: فإن أعتق في ذلك الوقت أو تزوج، هل تقولون إن ذلك باطل، كما تقولون في البيع؟

فقلنا: من عادة الناس التشاغل بالبيع في كل الأزمنة والأوقات، وهو عمل مستدام، وليس النكاح والعتق مما يدوم فعل الناس له، كما يدوم في المبايعات، وإنما نهى اللَّه عز وجل عن البيع لدوامه وانتظامه، وأن القوم خرج كثير منهم للنظر إلى العِير، وتَعَجُّل البيع، فعوتبوا، ونزل تحريم البيع من أجل فعلهم.


(١) إمضاء ما وقع من البيع عند أذان الجمعة مذهب أبي حنيفة والشافعي، ينظر بدائع الصنائع (٥/ ٢٣٢)، والأم (١/ ٢٢٤) (ط المعرفة)، والإشراف للقاضي عبد الوهاب (١/ ٣٣٥).
(٢) في الأصل: لا.

<<  <  ج: ص:  >  >>