للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكان اتباع ذلك ألزم وأولى، من قول من يقول: إن مَن هذه صفتها، تعتدُّ ثلاثين سنة، وإن جاءت بولد لم يلحقه إذا ولدته لأكثر من سنتين.

والشافعي يقول مثل ذلك، ويقول: لا يلحق به إذا جاءت به لأكثر من أربع سنين، فخالفوا جميع السلف، لأن كل من مضى يقول: إن الولد يلحق بالأب ما دامت المرأة في عِدتها.

وكيف يجوز أن يقول قائل: إن المرأة يطلقها زوجها تطليقة أو تطليقَتين ويكون بينها وبين زوجها أحكام الزوجات ما دامت في عدتها، من الوِراثَة وغيرها، فإن جاءت بولد لم يلحقه؟ وإنما جُعِلَت عدة الطلاق من أجل الدخول الذي يكون منه الولد، قال اللَّه عز وجل: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا} [الأحزاب: ٤٩]، فأُسقطت العِدّة في الطلاق إذا لم يكن دخول، فكيف تكون المرأة مُعتدة والولد لا يلزم.

فإن ذكر عِدّة المتوفى عنها، وأنها ثابتة على كل حال دخل أو لم يدخل.

قيل له: هذا عبادة وعلة، لأن فيهن من لا يكون الحمل منه، ولم يكن للحمل حد ينتهي إليه، وكان المتوفى لو كان حيًّا فادعى الدخول ألزمته العِدّة، استوفى له ما لو كان حيًا فادّعاه، عُمل فيه على قوله، ودخلت التي لا يجوز فيها الحمل بالعبادة لعدم الحد، كما كان تحريم الخمر من أجل أنها تسكر، وحرم القليل الذي لا يسكر، وأُدخل في معنى الكثير، والمطلقة فالرجل حي يقول: لم أدخل، وتقول هي: كذلك، ويجوز أن يُعلَم ذلك من غير جهتها.

فأوجب اللَّه العِدّة حيث يكون الدخولُ من أجْل الولد، وأسقطها حيث لا دخول، وأباحها الأزواج، فعُلم أن ذلك عبادة لعلة، وأن أمر المتوفى عبادة وعلة، وليس ما كان عبادة لِعِلّة يُشَبَّه بما كان عبادة وعلة، وجب استيفاء ذلك للمتوفى.

<<  <  ج: ص:  >  >>