للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فدلت هذه الأشياء التي وصفناها واللَّه أعلم، أن الذي ذُكر من إقامتها في بيتها، ووجوب ذلك عليها وعلى زوجها، لما حدث من العدة، ولم يحتج إلى ذكر النفقة لأنها على الأصل الذي كانت عليه من قبل الطلاق، فإن شاءت أخذته وإن شاءت تركته.

واحتيج إلى ذكر السكنى في المَبْتوته في قوله عز وجل: {أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ}، لأن المبتوتة قد حدث في أمرها ما أُخْرجت به من أحكام الزوجات كلها، فأعيد ذكر السكنى إذ كانت من طريق التحصين لها ما دامت في عدتها، وأُجريت في ذلك مجرى التي قبلها، وأسقطت عنها النفقة التي كانت تجب لها قبل أن يُبِينها بعقد النكاح، ولم يجعل ذلك لها في عدتها إلا أن تكون حاملًا، فيجب عليه حينئذ أن يغذو ولده بغذاء أُمه، كما كان يجب عليه إذا وضعته أن يغذو ولده بغذاء التي ترضعه، لأن غذاءه في بطن أمه بغذاء أمه، وغذاءه إذا وضعته أمه بالرضاع، فكما يجب على الأب أن ينفق على من ترضعه، وجب عليه أن ينفق على أمه ما دام في بطنها.

ألا ترى أن الصائمة إذا كانت تطيق الصيام وهي حامل، ويَضُر صومها بولدها أنها تفطر، لأن غذاءه إنما يكون بغذائها، وقال عز مِن قائل: {وَإِنْ كُنَّ أُولَاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ} [الطلاق: ٦]، فعُلم أن بعض ذلك من بعض.

وهذا الموضع قد اختلف الناس فيه، فقال قوم: للمبتوتة السكنى والنفقة.

وقال آخرون: لا سكنى ولا نفقة.

فأخذ كل فريق في طريق، وتركوا التوسط الذي هو الحق (١)، وفي كتاب اللَّه عز وجل ما يدل على أنه ليس على ما قال الفريقان.


(١) قال ابن عبد البر في الاستذكار (٦/ ١٥٧) حاكيًا المذاهب في هذه المسألة: "اختلف العلماء في سكنى المبتوتة ونفقتها على ثلاثة أقوال: أحدها: أن لها السكنى والنفقة =

<<  <  ج: ص:  >  >>