للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأما وضع الكلام مواضعه، فقد كان ينبغي لهذا الرجل ألا يظن أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يَحتاج أن يُوَضأ بغسل ثيابه من البول وما أشبهه، وأول هذه السورة من أول ما نزل من القرآن، وذلك قبل نزول الشرائع والوضوء والصلاة.

وإنما تدل الآية أنه (١) الطِّهار من أوثان الجاهلية، والأعمال الخبيثة، ألا تراه عز وجل قال: {قُمْ فَأَنْذِرْ} بالجنة والنار، وادع إلى اللَّه، وقلبك فطهر، والشيطان فاهجر، {وَلَا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ (٦) وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ} على أذى من يؤذيك.

وكل هذا دليل على قلة معرفة هذا الرجل باللغة، فإن أصحابه يدعون له عِلمَها، كما أن أبا حنيفة، ومحمد بن الحسن، وأصحابه، يدَّعون له علم اللغة، قالوا: {فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ}، أن ذلك في صلاة الفريضة، وقاله الشافعي أيضًا، ولم يعلم أنه من أول ما نزل من القرآن، فلم يعلموا أن ذلك نزل قبل الفرائض، وأنه معطوف على صلاة الليل، وأنه كلام مضمن بعضه من بعض، لا يشكل على ذي فهم.

قال عز وجل: {قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا (٢) نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا}، ثم قال: {إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَى مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ وَطَائِفَةٌ مِنَ الَّذِينَ مَعَكَ وَاللَّهُ يُقَدِّرُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ فَتَابَ عَلَيْكُمْ فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ (٢)} [المزمل: ٢٠]، يريد: فصلوا ما تيسر لكم تخفيفًا، لم يُرد القرآن، إنما أراد التخفيف من الصلاة، فكان أوجب عليهم إطالة الصلاة، ثم خفف عنهم ذلك من أجل المرض والسفر والقتال في سبيل اللَّه، فقال: {وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا} [المزمل: ٤]، أن بعض القراءة أَبْيَن من بعض.

وقال: {إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئًا وَأَقْوَمُ قِيلًا} [المزمل: ٦]، فعلم أن ناشئة الليل قيام الليل، ثم خفف عنهم القيام الذي كان عليهم للعلل التي وَصَفْتُ،


(١) في الأصل: آية.
(٢) في الأصل: ما تيسر منه.

<<  <  ج: ص:  >  >>