للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولو كان الهدي إنما يُبتغى به مقدار لحمه، لكان أوفر للمساكين أن يجتمع من الهدي والنفقة عليه والكلفة بلاغه، ثم يُشترى بذلك لحم ويُقسم، ولم يكلف الناس سوقه، وما فيه من التعب والغرر، ولعل هديًا واحدًا يساق، أفضل عند اللَّه من مائة جزور تنحر، ويقسم لحمها، وكيف يمكن أن يُشَبّه هذا بهذا، وقد سماه اللَّه عز وجل من الشعائر؟

قال زيد بن أسلم: الشعائر ست: الصفا والمروة، والجمار، والمشعر الحرام، والبُدْن، وعرفة، والركن (١).

فإذا جعلت البدن من إحدى الشعائر، فكيف يُعرف قدرُها؟

وأصحاب اللغة جميعًا قالوا: الشعائر مأخوذة من الشيء الذي قد أُشْعِر ليُعْرَف، ومما يدل على ذلك: إشعار الهدي، وتقليده، فيصير ذلك علامة له، إذا كانت الشعائر سوى البدن مواضع معروفة، وأوقات معلومة، فهذا علامة لها، والهدي إنما يصير هديًا بعد الإيجاب، فجعلت له علامة.

وكان الإشعار والشعائر مشتقًا بعضها من بعض واللَّه أعلم، فلما سُمِّيت البدن في كتاب اللَّه من الشعائر، وجعل فيها الإشعار، فكيف يفعل الإنسان بنصيبه من الجزور إذا كانت بينه وبين آخر، فكيف يُشعِرها؟

وقد يمكن أن يكون شريكُه كافرًا لا يريد أن ينحر الجزور إن تابعه الشريك على النحر، وإنما يصير حامل نصيب المهدي لحمًا يقسمه ويأكل منه، لأنه هو الذي يمكن أن يُقسم بينه وبين شريكه، ويبطل المعنى الذي وصفه اللَّه تبارك وتعالى فيها بأنه من الشعائر، وبأنهم يذكرون اسم اللَّه عليها صواف، لأن الذكر الذي يُذكر عليها لا ينقسم كما ينقسم اللحم، ويبطل المعنى في المهدي،


(١) لم أقف عليه مسندًا، وذكره مكي بن أبي طالب في الهداية (٣/ ١٥٦٥)، والباجي في المنتقى (٢/ ٢٩٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>