للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فإن دخلها معتمرًا في أشهر الحج يريد الإقامة بها، ثم حج، فهو متمتع، وليس بمنزلة أهل مكة في هذا الموضع، لأنه حين دخل مكة، ونوى الإقامة بمكة، لم يسقط عنه الهدي لأنه نوى، وإنما يسقط الهدي إذا نوى وفعل (١).

ومذهب مالك في هذه الآية، أنهم أهل مكة وما اتصل بها من البيوت مثل: ذي طَوى (٢) وما أشبهها، وهؤلاء حاضروا المسجد الحرام، لأنهم أهل القرية التي فيها المسجد الحرام، وليس كل أهل الحرم كذلك، لأن أهل منًى ليسوا أهلَ مكة، كما أن أهل مكةَ ليسوا أهل منى، ومنى من الحرم (٣).

ولو أن رجلًا من أهل مكة ثَمَّ خرج مسافرًا، لما جاز له أن يقصر الصلاة حتى يخرج من بيوت مكة وما اتصل بها، فهو حاضرٌ وليس بمسافر، فإذا خرج عن البيوت صار مسافرًا، ولو كان حكم الحرم كله كحكم أهل مكة في أنهم حاضروا المسجد الحرام، لما جاز له أن يُقَصِّرَ حتى يخرج عن الحرم.

وأما قول من قال: فمن كان أهله دون المواقيت، فإن المواقيت لم تجعل للناس، لأنها حاضرة المسجد الحرام، ألا ترى أن بعض المواقيت بينها وبين مكة مسيرة ثماني ليال، ومنها ليلتين، أفيكون من كان دون ذي الحليفة من حاضري المسجد، ومن كان منزله من وراء قَرَن، مما يلي نجدًا (٤) من حاضري المسجد الحرام؟ وإنما الحاضر للشيء من هو معه.

ولم يوقت المواقيت ليكون إحرام الناس من المسجد الحرام، وإنما هو رخصة من اللَّه، ورحمة لخلقه إذا استجابوا لما دُعوا له، وكان عليهم أن يقولوا:


(١) الموطأ ٩٨٢ برقم، كتاب: الحج، ما جاء في المتمتع.
(٢) قال البكري: بفتح أوله مقصور منون، واد بمكة، معجم ما استعجم (٣/ ٥٩٦).
(٣) تفرقة مالك بين أهل مكة القريةِ وما اتصل بها وغيرهم، وردت في المدونة (١/ ٣٧٢ و ٣٧٨).
(٤) في الأصل: نجد.

<<  <  ج: ص:  >  >>