للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال اللَّه عز وجل: {فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ}، يعنى: لقُبُل عدتهن {وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ} [الطلاق: ١]، فعلمنا أنها لهذا الوقت.

وقال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- لعمر -رضي اللَّه عنه- في قصة ابنه لما طلق: "مُرْه فليراجعها حتى تطهر، ثم تحيض، ثم تطهر، ثم إن شاء طلق، وإن شاء أمسك فتلك العدة التي أمر اللَّه أن يطلق لها النساء" (١).

فبان بالكتاب والسنة أنه أمر أن يطلق فيما تعتد به، وهو الطهر، لأنه لو طلق وهي حائض، لم يعد ذلك من عدتها، فقال: فإذا طلقها في بعض الطهر فاحتسبت به، وقد قال اللَّه: {ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ}، فالذي حصل بعض هذا القرء، قلنا لهم: المعنى ما قال أهل اللغة أنه خروج من شيء إلى شيء، ومع ذلك فقد قال اللَّه: {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ} [البقرة: ١٩٧]، وهو شهران وأيام، فليس بمنكر ذلك في الأطهار، ومع ذلك فالغرض سلامة الرحم، والطهر لا يعلم به سلامة الرحم، وإنما يعلم بالحيض، فإذا كان يعلم بالحيض، فأول الدم من الثالثة يبرِؤها.

والقُرء مأخوذ من المِقْراة، وهي التي يجتمع فيها الماء، فأيام اجتماع الدم هي أيام الطهر، والمبتغى عندنا من الطهر آخره، لأنها به تخرج إلى الحيض المبرئ للرحم، وأول الحيض هو المبرئ، لأن آخره لا يبرئ لو أذن لهم في الطلاق في الحيض، لأن المرأة قد تحمل في آخر الحيض، ولذلك قال أبو كبير الهذلي:

ومُبَرًّا من كل غُبَّرِ حَيْضَةٍ ... وفَسادِ مُرْضِعةٍ وداءٍ مُعْضِلِ (٢)

أي: لم تحمل به أمه في آخر حيضها.


(١) متفق عليه من حديث ابن عمر، رواه البخاري برقم ٥٢٥١، كتاب: الطلاق، باب، ومسلم (٤/ ١٧٩)، كتاب: الطلاق، باب: تحريم طلاق الحائض بغير رضاها.
(٢) البيت في شرح أشعار الهذليين للسكري (٣/ ١٠٧٣)، وفيه: . . . وداءٍ مُغْيلِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>