تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً}، فكانت المخاطبة للأزواج، لا يقدر أحد أن يدعي خلافًا لذلك في تأويل ولا معقول، ثم قال:{فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ}، وهذه مخاطبة للأزواج، ثم قال:{إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ}، وهن النساء البوالغ اللواتي أَمرُهن إليهن، لا ولاية عليهن، {أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ}، فهو الوليُّ الذي يجوز له العقد شاءت أم أبت.
وليس يجوز أن يعني بذلك الزوج، لأن كلام اللَّه إيجاز واختصار، فلو عنى الزوجَ لقيل إذ كانت المخاطبة له:"أو تعفون يا رجال"، أولى بأن يقال:{أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ}، فترك الخطاب بما هو معقول بالمواجهة، ويخاطب بما يشكل وتقع فيه التأويلات، ويكثر فيه الاختلاف.
ومع ذلك، فالعفو كيف يكون من الزوج وهو المخاطب بدفع النصف؟ وإنما يعفو الإنسان عما رجب له، وإذا دفع الإنسان الصداق كله كان واهبًا لا يقال له عافٍ، إنما يقال للعافي: التارك لما رجب له، فأما من ابتدأ هبة فلا يقال له عافٍ.
ولما كانت المرأة بلا اختلاف عند ذوي الرأي أحظى بالرجل من الرجل بالمرأة وأكثر انتفاعًا، أُمِرت بذلك، وأُمِر الولي بمثله، لأنّا لو وُكِلْنا إلى رأيِنا وما تنتجه عقولنا، لكانت المرأة تُصْدِقُ الرجل أولًا، لكن اللَّه تعالى برحمته لهن وبضعفهن ما جعل لهن الصداق، فسماه هبة في موضع، فقال عز من قائل:{وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً}[النساء: ٤]، فكانت النِّحلة لهن من اللَّه عز وجل في أموالنا، كما يوجب في أموالنا ما يشاء من زكاة وغيرها، حتى دية الخطأ جعلها في أموال العاقلة، ثم سمى الصداق في مواضع كثيرة فريضة، يعني: فريضة عليكم، وله جل وعز أن يفرض في أموالنا ما يشاء، إذ كُنا وأموالنا له.
فلما كانت المرأة بهذه المنزلة أمرت بالعفو به، وحُضَّت عليه، يقول عز من قائل:{وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَلَا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ}[البقرة: ٢٣٧].