للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والمعنى في حَضِّها على ذلك نظرٌ (١) لها، إذ لم ينل منها شيئًا، ليعلم أنها لم ترغب في مال تأخذه (٢)، وإنما رغبتها في الكفاءة والدِّين، ليَرْغَب الناس فيها ويكثر خُطّابها من أهل الفضل، ولا يكون ما وقع بها من الطلاق مُوقعًا في قلوب الناس سببًا من الزوج المطلق يوجِب الزهد فيها.

ولما كانت الصغيرة والبكر، التي يلي أمرها أبوها، وعقد عليها بغير أمرها لقوة ولايته عليها، ووجوب نفقتها عليه إلى أن يدخل بها زوجها، وكانت ممن تولى عليها لهذه الأشياء التي قدمنا ذكرها، وكان الحياء يمنعها من أن تقول: زوجوني، وقال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "والبِكر تُستأذَن، وإذنُها صُماتُها" (٣)، جعل للأب المتولي العفوَ عنها، والمختار لها من الأفعال ما يُرغِّب الناسَ فيها، وهي في مصاهرته، ليعلم أنه ليس يتاجر بولده ولا يبيعها، وإنما بغيته من الرجال وضع ابنته حيث ترضى، وكذلك جُعِل السيدُ في أمته العافي عما رجب لها، لأن السيد له أن ينتزع ما استحقته من الصداق منها إذا اقتضته، وإذا عفى عنه، فإنما يعفو عن مال له أخذه.

فأما من قال: إنه الزوج، فأي شيء في يد الزوج من النكاح؟ إنما الذي في يد الزوج أن يعقد على نفسه، وإنما قُصِد بالآية من بيده عقدة نكاح المرأة، وهو الولي.


(١) في الأصل: نظرًا.
(٢) في الأصل: يأخذه.
(٣) متفق عليه من حديث أبي هريرة -رضي اللَّه عنه-، رواه البخاري في مواضع منها برقم ٥١٣٦، كتاب: النكاح، باب: لا ينكح الأب وغيره البكر والثيب إلا برضاها، ومسلم (٣/ ١٤٠)، كتاب: النكاح، باب: استئذان الثيب في النكاح، بلفظ: "لا تنكح الأيم حتى تُستأمر، ولا تنكح البكر حتى تُستأذن" قالوا: يا رسول اللَّه، وكيف إذنها؟ قال: "أن تسكت"، ورواه مسلم في الموضع نفسه عن ابن عباس -رضي اللَّه عنه- بلفظ: "الثيب أحق بنفسها من وليها، والبكر تستأمر، وإذنها سكوتها".

<<  <  ج: ص:  >  >>