للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

على أن ليس كل أب له أن يعفو، فقد يكون الأب سفيهًا، فلا يجوز عفوه، وإنما يجوز ذلك لأهل السداد والرَّوِيَّة ممن يجوز له أن يحكم عليها في نفسها، فإذا جاز حكمه في نفسها، كان في مالها أولى، ألا تراه يجوز أن يضحي عنها من مالها، ويُخرِج زكاة الفطر عنها من مالها، ويُخرِج زكاة مالها من غير أمرها، فيُحسِن لها في ذلك النظر، ويُورِثها ثوابًا، وله عندنا أن يتصدق عنها باليسير من مالها نظرًا لها، ما لم يك ذلك فادحًا في ملكها، لأن صلاحها صلاحُه، وصلاحُه لها، قال اللَّه عز وجل حاكيًا عن نبيه: {وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي} [الأحقاف: ١٥].

فإن قيل: فقد أجزتم للوصي أن يُخرِج عن اليتيم صدقة الفطر والأضحية، ولم يَجُز له إسقاطُ المهر.

قيل: لأن صدقة الفطر والأضحية مأمور بهما، غيرُ موكَلَين إلى رأي واجتهاد، وإسقاط الصداق موكَل إلى الاجتهاد، إن رأى إسقاطه أسقطه، وإن لم ير صلاحًا لم يسقطه، هذه الجهةُ جاز للأب في الصغيرة والبكر التي يلي عليها، فثبت ذلك عليها، ولا يكون لها فيه خيار، فإذا جاز ذلك في النفس، كان في المال أجوَز.

ولما قيل الذي بيده عقدة النكاح، عُلم أنه شيء بيده في ذلك الوقت، فكيف يكون بيد الزوج وقد بانت منه، وهل يجوز أن يقال للذي بيده أن يطلِّق بعد أن يطلِّق: بيده عقدة النكاح؟ وإنما الذي بيده عقدة النكاح، الذي بيده أن يعقد النكاح، وقال اللَّه عز وجل: {وَلَا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكَاحِ حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ} [البقرة: ٢٣٥]، وأما أن يقال للذي بيده أن يطلِّق، وقد طلق: أن بيده عقدة النكاح، هذا ما لا يجوز، وإذا كان في يده أن يزوِّج نفسَه، فأي علة توجِب أن يكون بيده عقدة نكاحها؟ قال ابن عباس -رضي اللَّه عنه-: "العفو وأمر به، فإن عفت فكما

<<  <  ج: ص:  >  >>