وقال أبو حنيفة وأصحابه: لا بأس أن يتزوج الحرُّ المسلمُ الأمةَ وهو يجد الطول إلى الحرة، ولا يخشى على نفسه العنت (١).
وهذا قول يجاوز فساده فساد ما يحتمل التأويل، لأنه شيء حظره اللَّه في كتابه إلا على الجهة التي أباحها.
فإن قيل: قد يمكن أن يكون في ذلك على الاختيار لهم لا على جهة التحريم.
قيل: قد جاء الاختيار بعد التحريم لقوله: {وَأَنْ تَصْبِرُوا خَيْرٌ لَكُمْ}، فكان هذا موضع الاختيار، ولو كان الأول على الاختيار لم يحتاجوا إلى اختيار ثاني، ولا أعلم أحدًا ممن تكلم في تفسير القرآن قال ما قالوه، وقوله عز وجل:{ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ} دليل على أنه إن لم يخش العنت، فليس ذلك له، فلما أبيح له في موضع، وحظر عليه في موضع، علم أن ذلك على الإيجاب، لا على الاختيار.
قال القاضي: وبلغني أن محتجًا من أصحاب أبي حنيفة احتج في جواز نكاح الأمة الكافرة، ونكاح الأمة وإن كان يجد الطول ولا يخاف العنت، بقول اللَّه تعالى في الآية:{مُحْصَنَاتٍ غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ وَلَا مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ}، وأنّا نجيز نكاح من كانت هذه صفته، وإن كان قد شرط، قال فلذلك نجيز نكاح الكافرة مع وجود الطَّول.
فقيل له: ليس يجوز أن يتكلم اللَّه تبارك وتعالى بما لا فائدة فيه لأنه عز وجل، وما قبل الآية وبعدها ففيه بيان ما قلنا، لأنه قال جل ثناؤه: {حُرِّمَتْ
(١) انظر المبسوط (٥/ ١٠٨)، وما بعدها، وعليه بَنوا أن الحرّ إذا لم يكن تحته حرة، له أن يتزوج أربعًا من الإيماء.