عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ} إلى قوله عز من قائل:{وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ}[النساء: ٢٣]، ثم قال جل وعز: {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ كِتَابَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ [أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ](١) مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ} [النساء: ٢٤]، فكان هذا الشرط مخاطبة في الرجال ولهم، ثم أجمعنا جميعًا أن غير المحصن والمسافح يحل له النكاح، وجرى هذا عند العلماء مجرى وعظ، فكذلك هو في الإماء، {مُحْصَنَاتٍ غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ} وعظًا لهن، لأن أفعالهن في ذلك أكثر، لا يعلمه إلا اللَّه عز وجل.
وأجمعت العلماء على أنه ليس لأحد أن يكشف عن ذلك، إلا أن يعلنه فاعله من الرجال والنساء، وجرى ذلك مجرى الاختيار للعباد إذا عرفوا ذلك أن ينتهوا عنه، ولم يجز أن يجري مجرى الشروط، لأن اللَّه تبارك وتعالى قال:{وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا}، وهذا حرف شرط، ثم لم يرض بهذا الشرط تبارك وتعالى حتى ثنى بشرط ثان، وهو خوف العنت وارتكاب المحارم.
ثم أتى بعده بالاختيار والتنزه، فقال عز من قائل:{وَأَنْ تَصْبِرُوا خَيْرٌ لَكُمْ}، فهذا موضع الاختيار، كذلك {مُحْصَنَاتٍ غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ} معناه واللَّه أعلم أمرًا لمن عقد على أمة، إذ كن مُتَبْذِّلات في الطرق، والحظر عليهن والضبط لهن، حفظًا للنسب الذي لا يؤمَن كونُه وحدوثُه، فلما اتفقنا على أنه في الرجال والنساء وعظ، جرى في الإماء مجرى الوعظ لهن، والحفظ منا لهن، وهي أفعال لا تدوم، وقد تترك عند القدرة على الحلال، والعقود تدوم بين المتناكحين، وفي هذا بيان لمن نصح نفسه، وباللَّه التوفيق.
والمعنى الذي لأجله نُهينا عن الإماء أن نجعل أولادنا عبيدًا، والكافر لا يجوز أن يملك أولاد المسلمين.
(١) قوله: {أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ} ليس في الأصل.