والأم والأخت وزوجة الأب والمرتدة لا يجوز ابتداؤه، وإذا حدث بطل النكاح، إذ لا يجوز أن يُبتدأ.
فإن قيل: المسلم يجوز له تزويج المسلمة.
قلنا له: الأَمَة إنما حرمت لأن متزوِّجها يَرِقُّ ولدُه، فإذا وقعت الإباحة بوجود الشرطين، فقد زال حكم التحريم وصارت في نفسها حلالًا، كما أن الفقير يجوز له أخذ الزكاة، فإذا ملكها ثم أيسر بعد ذلك لم تحرم عليه.
ومن شبَّه الأَمَة بالميتة فقد غلط، لأن اللَّه تبارك وتعالى جعل الأَمَة لمتزوجها عند الإباحة حلالًا، وأجمع المسلمون على تحليله، وقد سماه اللَّه عز وجل طيبًا فقال:{فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ}[النساء: ٣]، يعني: ما حلل لكم، والميتة حرام قبل الاضطرار وحرام بعد الاضطرار، عينُها لا تنتقل عن التحريم، وإنما وقعت الإباحة لاجتماع أمرين كلاهما حرام، إلا أن أحدهما أعظم من الآخر، فأحدهما يُسْلِي نفسه بالصبر عنها، والآخر أكلها وإن كانت محرمة ليحييَ بها نفسَه، فكان إحياء النفس أولى، فأباحها اللَّه عز وجل وأسقط المأثم فيها وغفر الذنب، فقال عز من قائل:{فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ}[البقرة: ١٧٣]، ومع ذلك، فإن أحدًا لا يملك الميتة وقت أكلها ولا بعد ذلك ولا قبله، والأَمَة قد ملك بُضعها المتزوجُ بها ملكًا صحيحًا، وزال حكم الحظر.
والحجة في هذه المسألة من وجوه كثيرة، قال اللَّه عز وجل:{وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً}[الروم: ٢١]، فلم يجز التفريق بين زوجين قد صارا بهذه الصفة، وليس العلة في الأَمَة من قِبَل نفسها، وعلة المرتدة من قِبَل نفسها، فلم يَقْوَ أمر الولد الذي كرهت الأَمَة من أجله الذي هو غيرها، على أن يفسخ به ما مضى من نكاحها الصحيح، واللَّه أعلم.