للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المجاهدين في سبيل اللَّه لِكثير ممن لم يَقتُل منهم من العناء والتدبير ما ليس لمن قتل، وإذا اجتمع الناس في الخير والشر فأعظمهم عناءً أعظمهم أجرًا في الخير، وأعظمهم وزرًا في الشر، فلذلك جعل الاجتهادَ إلى الحاكم في المحاربين، وهو حق من حقوق اللَّه يقوم به الإمام.

وأما الآية [ليست] (١) فيمن لم يقتل ولم يأخذ المال، وإنما هي فيمن أفسد في الأرض وعصى اللَّه بذلك، فمحاربة اللَّه عصيانه، ألا تراه قال في الربا: {فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ} [البقرة: ٢٧٩]، وحرب اللَّه: عقوبته لمن عصاه فحاربه، ولذلك قيل: يقال للمرء يوم القيامة: خذ سلاحك وقم.

فإذا قَتَل المحارِبُ وتاب قبل القُدْرَة خرج من حكم هذه الآية، وصار مقتولًا قصاصًا، يقول اللَّه تبارك وتعالى: {أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ} [المائدة: ٤٥] عند من يرى قتله بالآية، وخرج من حكم الآية إذ يقول اللَّه عز وجل: {إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ} [المائدة: ٣٤]، والتائب قبل القدرة لا سبيل إلى قتله، فإذا كان قد قتل فما تنفعه التوبة، وإذا أخذ المال فالذي عليه بكتاب اللَّه قطع اليد حسبُ إن جرى مجرى السارق، والآية توجب قطع اليد والرِّجل، ومع ذلك فلو عفى الولي عن الدم بطل حكم اللَّه بالقدرة عند قائل هذه المقالة، ولو تدبروا الآية لما أزالوا حكمها، فإنهم بهذا القول قد أزالوا حكمها.

فإن احتج محتج بحديث النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث، رجل كفر بعد إسلامه، أو زنا بعد إحصانه، أو قتل نفسًا بغير نفس" (٢)،


(١) سقطت من الأصل.
(٢) رواه أحمد برقم ٤٣٧، ٥٠٩، وأبو داود برقم ٤٥٠٢، كتاب: الديات، باب: الإمام يأمر بالعفو في الدم، والترمذي برقم ٢١٥٨، كتاب: الفتن، باب: ما لا يحل دم امرئ، وقال: "حسن"، والنسائي برقم ٤٠١٩، كتاب: تحريم الدم، باب: ما يحل به دم المسلم.

<<  <  ج: ص:  >  >>