للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فهذا الحديث يدل على أن المحارِب غيرُ داخل فيه، إذ قد أُفرد له حكم خُص به، لأن قاتل النفس في غير المحاربة لا تُسقِط التوبةُ عنه القَوَدَ، وإنما أمره في القتل أو الترك إلى ولي المقتول، وأمر المحارب إلى السلطان لإفساده في الأرض، وليس كل من قتل نفسًا يجب قتله.

وإنما الحديث يدل على أن القَوَد ذاكرٌ في القصة، والقصاص إلى الولي، وقد أجمع المسلمون في قتلى الجَمل أو صِفِّين ألّا قَوَد بينهم، وهؤلاء ففيهم (١) من قتل نفسًا بغير نفس، لأنهم قَتلوا على التأويل في الدين، فلما كان قصدهم هذا سقط القَوَد، وأما المحارِب فقصده في قتل المسلم لقطع الطريق وأخذ الأموال والفساد في الأرض، فكان الأمر فيه إذا اجتمع له المحاربة والفساد -قتل أو لم يقتل- إلى السلطان لا إلى ولي (٢) المقتول، كما خرج من وصفنا من قتل صفين والجمل من معنى هذا الحديث، كذلك خرج المحارب من معناه، مع أن المحارب قد أفسد في الأرض، وقد جعل اللَّه الفساد في الأرض عِدلًا للقتل، وقائل هذه المقالة لا يجوز له أن يحتج بهذا الحديث، لأنه يقتل من امتنع من الصلاة، ويقتل من امتنع من الزكاة، وقد روت عائشة -رضي اللَّه عنها-: "لا يحل دم أحد من أهل الملة إلا ثلاثة: قتل نفس بالنفس، والثيَّب الزاني، والمفارق جماعة المسلمين يفسد في الأرض" (٣).

وإذا كان الخوارج يحل قتلهم وليسوا بمرتدين، وقال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "طوبى لمن قتلهم أو قتلوه" (٤)، فكذلك المحارب يقتل لإفساده في الأرض.


(١) كذا في الأصل، ولعلها: فيهم.
(٢) في الأصل: الولي.
(٣) رواه أبو داود برقم ٤٣٥٣، كتاب: الحدود، الحكم فيمن ارتد (ت الأرناؤوط).
(٤) تقدم (١/ ٢٩٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>