للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد اختلف الناس في النفي، فقال بعضهم: يطلب ليقام عليه الحد فيهرب (١).

وقال بعضهم: النفي بعينه (٢)، وهذا أشبه، ومالك يرى فيه وفي الزاني البكر أن التغريب والنفي إخراج عن البلاد إلى محبس في سواه إلى أن تحدث منه توبة، والزاني سَنَةً ثم يطلَق، وتوبة المحارب عند مالك ربما طال حبسه إلى أن تظهر منه توبة، وهي من أشد العقوبات، أو يطول حبسه فيرى الإمام أنه قد ردعه فيطلقه (٣)، قال اللَّه عز وجل: {وَلَوْلَا أَنْ كَتَبَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ الْجَلَاءَ لَعَذَّبَهُمْ فِي الدُّنْيَا} [الحشر: ٣]، وقال عز وجل: {وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُوا مِنْ دِيَارِكُمْ مَا فَعَلُوهُ إِلَّا قَلِيلٌ مِنْهُمْ} [النساء: ٦٦]، وقال عز وجل: {قَالُوا وَمَا لَنَا أَلَّا نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِنْ دِيَارِنَا وَأَبْنَائِنَا} [البقرة: ٢٤٦].

فالنفي من الوطن والحبس هناك من غليظ العقوبات، ومذهب مالك -رضي اللَّه عنه- في النفي، أن أقلَّه إلى موضع تقصر في السفر إليه الصلاة، ويستحب ما زاد على ذلك، لأن عمر -رضي اللَّه عنه- استعمل رجلًا على الخُمْس، فاستكره جارية من الخمس، فجلده مائة ونفاه إلى فَدَك (٤).

وقد زعم قوم أن المحاربة لا تكون إلا خارجًا (٥) عن المصر (٦)، وهذا غلط، لأن المحارب هو الذي يقاتل على أخذ المال، والسارق الذي يأخذ


(١) قاله ابن عباس، وأنس بن مالك من الصحابة، والسدي، والضحاك، والحسن، والربغ، وقتادة، وسعيد بن جبير، والزهري، ومالك، والليث بن سعد، انظر تفسير ابن جرير (٤/ ٥٥٧، ٥٥٨).
(٢) رواه ابن جرير في تفسيره (٤/ ٥٥٦) عن سعيد بن جبير، وعمر بن عبد العزيز.
(٣) انظر المدونة (٦/ ٢٩٨ - ٢٩٩).
(٤) رواه مالك برقم ٢٣٩١، كتاب: الحدود، جامع ما جاء في حد الزنا، برواية يحيى، وفَدَك: بفتح أوله وثانيه، وهو موضع قرب المدينة كان يسكنه اليهود. معجم ما استعجم (٣/ ١٠١٥).
(٥) في الأصل: خارج.
(٦) هو مذهب أبي حنيفة، انظر المبسوط (٩/ ٢٠١).

<<  <  ج: ص:  >  >>