للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المال مستخفيًا، فكما يكون السارق في المصر وفي غير المصر، كذلك يكون المحارب في المصر وفي غير المصر، لأن الجناية هي بفعله لا بالموضع الذي يكون فيه الفعل، لأن اللَّه عز وجل نسب الفساد إلى أفعالهم لا إلى المواضع، فقال عز من قائل: {وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا}.

ولعل المحاربة في المصر أغلظ، لأن المحاربين لا يجترؤون على ذلك في المِصر إلا بعِدَّة وعُدَّة، قال ابن عباس، والحسن، وقتادة: إذا دخل عليك ومعه حديدة في بيتك فهو محارب تقطع يده ورجله.

وقد فرق اللَّه سبحانه وتعالى بين المحارب والسارق، فجعل توبة السارق لا تسقط الحد عنه، وكذلك الزاني لاستسرارهما بفعلهما، وجعل المحارب لإظهاره الفعل تقبل توبته قبل القدرة عليه، وتُسقِط الحدَّ عنه، وكذلك المرتد عن الإسلام خاصة إلى أي دين كان من عبادة وثن، أو يهودية، أو قولٍ (١) بالدهر، أو نصرانية، أي ذلك كان أو غيره فهو كفر، فارتداده يوجب قتله وقبول توبته، لأنه قابل ظاهرًا بظاهر.

والزنديق فهو مرتد، إلا أنه سمي بهذا الاسم لإخفائه واستسراره بردته، إلى أي أصناف الكفر كان، فهذا إذا أَسَرَته البينة قُتل، ولا توبة له، لأن توبته مقابلة باطن بظاهر لا يعرف صحته، ولا يؤمن أن يكون ذلك حيلة منه لدفع ما حكم اللَّه به فيه، ثم يعود إلى استسراره الذي كان عليه.

وكذلك الساحر المسلم إذ! سحر، لاستسراره بفعله الكفر ما كان (٢) مقتولًا غير مقبول توبته، إذ فرق اللَّه بين [الأفعال] (٣) المستسَر بها، والأفعال المعلن بها، قال اللَّه عز وجل: {فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا قَالُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَحْدَهُ وَكَفَرْنَا بِمَا كُنَّا بِهِ


(١) في الأصل: قولًا.
(٢) كذا بالأصل، ولعل الصواب إسقاط ما.
(٣) ساقطة في الأصل.

<<  <  ج: ص:  >  >>